وعبارة ، وأنت أعظم من أن يدركك أحد بوسيلة الكون ، حيث لم يدركك بكل ذكر خالص ، ولا يدركك إلا بك كل عارف ، سبحانك عمّا وصفناك بلسان الحدث ، أنت كما أثنيت على نفسك بقولك : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون : ٩١] ، و (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) أي : عن طلبنا بنا لا بك ، وعذاب النار عذاب البعد ، وذلك نيران الفراق وهو حرق من نار الظاهر.
قال النصر آبادي : (سُبْحانَكَ) أي : نزهت نفسك في نفسك بمعناك في معناك بما لا ، ومنك بك لك.
(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨))
قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) أخبر الله سبحانه بهذه الآية عن أحكام توحيد القائمين في معهد الأزل بنعت المشاهدة والفناء في القدم ، بعد رجوعهم من الأرواح إلى الأشباح ؛ حيث سمعوا مناداة الحق وخطابه من لسان منادي الحق ، بشرط الوسائط بعد سماعهم خطابه صرفا ، أي : إننا سمعنا مناداتك بلسان الوسيلة ، فآمنا بشرط المشاهدة قبل مناداة الرسل ؛ حيث قلت : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، في المشاهدة والحضور بلا حجاب ، وأيضا (إِنَّنا سَمِعْنا) بأرواحنا وأسرارنا منك ، فآمنّا بك بغير علة ، فاتبعنا ظاهرا وباطنا مناديك ، وصدقناه بما وجدنا حلاوة اليقين في قلوبنا ، ومعنى الإيمان تصديق الكل برؤية الكل ، وسابقة نظر الأسرار إلى الأنوار ، وقبول الظاهر بيقين الباطن ، والشروع في العبودية بعد كشف الربوبية ، ومعاينة الغيب بالغيب.