قال القاسم : الإيمان أنوار الحق إذا اشتملت على السريرة ، وهو أن يغيب العبد تحت أنواره ، ويبدو له نجم الاحتراق فيغيبه عن وساوس الافتراق ، فيكون مصحوب الحق في أوقاته ، لا يشعر بتسخيره ، ولا يعلم بحجابه ، وإنما حجب الكل بالكل ، وحجب كلا بكليته ، وقمع كلا بحده ، لئلا يستوي علم أحد مع علمه ، فهذا هو صريح الإيمان.
وقوله تعالى : (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أي : اغفر قصور معرفتنا بك فإنه أعظم الذنوب ؛ حيث نطلب معرفة القدم بالحدث ، وكيف يكون مقارنة القديم بالمحدث ، (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) أي : تجاوز بكرمك عن كل خاطر يشير إلى غيرك بعد ما وجدنا حلاوة وصلتك ، (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أي : توفنا مع الذين أنعمت عليهم بكشف مشاهدتك لهم ، وإيقاع محبتك في قلوبهم ، واستشواقك من صميم أسرارهم إلى جمالك ، واكتسابهم بكسوة رضا القديم ، حتى وقفوا معك بشرك الرضا في كل بلائك وامتحانك.
قال الشيخ أبو عبد الرحمن : مع من رضيت ظاهرهم للخلق ، وباطنهم لك.
وقيل : (الْأَبْرارِ) : هم القائمون على حد التفريد والتوحيد.
وقال سهل : الأبرار هم المتمسكون بالسنّة.
وقال بعضهم : هم الناظرون إلى الخلق بعين الحق.
قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) أي : نحن احترقنا بنيران محبتك ، فأرونا بحسن مشاهدتك التي وعدت رسولك بقولك : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ، وأيضا (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) بلسان رسلك ، إنّ من اتبعهم تعطيه محبتك وسنيات آياتك وكراماتك ؛ حيث قلت : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ).
وقوله تعالى : (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : لا تحجبنا بنعمتك عنك ؛ حيث يشتغل أهل الفريقين بأنفسهم ، وهذا الدعاء من المعرفة تنزيه الأزلية عن الحدوثية ، واستغناء الربوبية عن العبودية ، حتى لو يحرق جميع الأنبياء والمرسلين ، لا يبالي بهم ، ولا تنقص من ملك جلاله ذرة لك ، عرفوا ما سبق لهم من حسن العناية ، فستزادوا تواتر الأنعام ؛ حيث تسلى الحق سبحانه قلوب الخائفين القانتين في رؤية العظمة ، بقوله : «سبقت رحمتي غضبي» (١).
__________________
(١) سبق تخريجه.