مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : أيها الناسي عهد الأزل وميثاق القدم بشرط وفاء العبودية بعد خطابي ومعرفتي وتعريفي نفسي لكم ، حيث قلت : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] ، فأجبتم بقولكم : (قالُوا بَلى).
وأيضا : أيها الناسي جمال مشاهدتي ؛ حيث أخرجت أرواحكم من العدم بتجلي أنوار القدم ، فبصرتها بمشاهدتي ، وأسمعتها خطاب أزليتي باشتغالكم على حظوظ البشرية ومأمول الطبيعة.
وأيضا : أيها المستأنس بالمستحسنات من الأكوان والحدثان طلبا لمشاهدتي اعلم أنها أعظم الحجاب ؛ لأنها وسيلة حدثية وإيصال إلى أحد إلا بي ، ورؤية الأشياء في رؤيتي مكر.
وأيضا : أيها المستأنس في المستوحش من غيري فلا تغرنّ بي ؛ فإنك لي لا لك.
وأيضا : أي : أيها الناسي أنفسكم التي هي مخلوقة من الجهل بي ، فلا تخافون حيث ادّعيتم معرفتي ، ومعرفتي للقدم لا للحدث.
وأيضا : هذا خطاب لبني آدم ، أي : أيها الذين انتسبتم إلى ابن الماء والطين الذي اشتغل عني بأكل حبة حنطة حتى بكى عليها مائتي سنة إيش تفعلون بعده في مواقف القربة ، وتنزل المشاهدة بعد المعرفة ، فإن عذاب الفراق أليم ، لو تعرفون أنفسكم لا تشتغلون بالحدثان ، فإني اصطفيتكم بمشاهدتي وخطابي من بين البريات ، أما سمعتم قولي : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : ٧٠] ، وهذا الخطاب خطاب العتاب للمفارقين أوطان المآب ؛ ألا ترى إذا غضب عظيم على خادمه لم يسم باسمه ، ويقول : يا إنسان. ولا يقول : يا حسن ، يا أحمد ، أي أنت على محل الجهل بمرادي منك.
والإشارة فيه : إن الله سبحانه عرف أمر المعرفة عباده حيث اشتغلوا بسواه ، كأنه نبههم عن رمدة الغفلات بزواجر هذا الخطاب ، ويقول : أيها الناقضون عهد المعرفة والعشق ، أما تستحيون مني باشتغالكم بغيري ، اتقوا من فراقي وعتابي.
قال بعضهم : يا بني النسيان والجهل.
وقال ابن عطاء : أي كونوا من الناس الذين هم الناس ، وهم الذين أنسوا به ، واستوحشوا مما سواه.