وقال جعفر : أي : كونوا من الناس الذين هم الناس ، ولا تغفلوا عن الله ممن عرفه ، إنه من الإنسان الذي خصّ خلقته بما خصّ به ، كبرت همته عن طلب المنازل ، وسمت به الرفعة حتى يكون الحق نهايته ، ثم (إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم : ٤٢] ، وسمو همته مما خصّ به من الاختصاص من التعريف والإلهام.
وقال بعضهم : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب العام ، و (يا عِبادِيَ) خطاب الخاص ، وخطاب خاص الخاص ، (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) ، (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ).
قوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (١) أي : كونوا على تقديس الأسرار عند كشف الأنوار ، وعلى شرط الانفراد في محبتي عن الأغيار ، ولا تبغوا آثار الأشرار لتكونوا في منازل الصدق من الأبرار ، حذّرهم من نفسه.
والإشارة فيه : إن من مال سرّه في سيره إليه امتنع بعزته عن مطالعة جلاله ، كقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] ، وحقيقة التقوى قدس السر عما سواه بنعت الخوف من فراقه في متابعة هواه.
قال بعضهم : التقوى ترك المخالفات أجمع.
وقال بعضهم : تقوى الله هو الاجتناب من كل شيء سواه.
وقال الواسطي : التقوى على أربع وجوه : للعامة تقوى الشرك ، وللخاص تقوى المعاصي ، وللخاص من الأولياء تقوى التوسل بالأفعال ، وللأنبياء تقويهم منه إليه.
وقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (٢) ، إن الله سبحانه ذكر جميع أوصاف قدمه وأمره ومشيئته ونعته وأفعاله في هذه الآية رمزا وإيماء ؛ لأنه تعالى لمّا أراد إبداع الخليقة لعرفانها حقوق الألوهية ، وانتشار أنوار المحبة الأزلية في فضاء القلوب وأماكن الأرواح تجلى ذاته لصفاته ، وتجلت صفاته لأفعاله ، وجمع علمه وحكمته وقدرته في نعت واحد وهو الأمر ، فقرنت الإرادة بالأمر ، فنظر في الأمر بنعت الكاف والنون إلى العدم من القدم ، فأظهر جوهر البسيط المجموع فيه الأجسام والأرواح والجوهر والأعراض.
__________________
(١) التقوى ترك كل شيء تقع عليه ؛ فهو في الآداب مكارم الأخلاق ، وفي الترغيب ألا يظهر ما في سره ، وفي الترهيب ألا يقف مع الجهل ، ولا تصح التقوى إلّا بالمقتدي بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالصحابة ـ رضي الله عنهم. [تفسير التستري (١ / ١٨٦)].
(٢) أخرج النّسمة من نفس واحدة وأخلاقهم مختلفة ، وهممهم متباينة ، كما أن الشخص من نطفة واحدة وأعضاؤه وأجزاءه مختلفة ؛ فمن قدر على تنويع النطفة المتشاكلة أجزاؤها ، فهو القادر على تنويع أخلاق الخلق الذين أخرجه من نفس واحدة [تفسير القشيري (٢ / ٤٧٩)].