تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧))
وقال أبو بكر بن طاهر : أشار الحقّ إلى إخلاص عباده المخلصين ؛ بأنهم بذلوا لمحبوبهم قلوبهم بالإيمان بالغيب ، وبذلوا له نفوسهم بالخدمة والعبودية ، بقوله سبحانه وتعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ، وبذلوا له ما ملّكهم ، فلم يبخلوا عليه بشيء من ذلك ، علما بأنها عوار في أيديهم ، وهو تعالى المالك لها ولهم على الحقيقة ، بقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
بأنها أسباب الوصول الحق كلا (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : رعونة تشغّلها قبول الحق ، وتلهّيها بقبول الخلق.
وأيضا أي : غفلة عن ذكر العقبي ، وهمّة مشغولة بحب الدنيا (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بتبعيدهم من قربه ، وتشغيلهم عن ذكره.
وقيل : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : بخلوّها من العصمة والتوفيق والرعاية.
وقال بعضهم : بميلهم إلى نفوسهم ، وتعظيم طاعتهم عندهم ، ومن مال إلى شيء عمي عن غيبه ، فزادهم الله مرضا ؛ بأن حسّن عندهم قبائحهم ، فافتخروا بها.
وقال سهل : «المرض» : الرياء والعجب وقلة الإخلاص ، وذلك مرض لا يداوى إلا بالجوع والتقطّع.
وقال أيضا : «مرض» : بقلة المعرفة بنعم الله تعالى ، والقعود عن القيام بشكرها ، والغفلة عنها ، وهذا مرض القلب الذي ربما يتعدّى.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) أي : لا تنكروا أولياء الله ، ولا تشوّشوا قلوب المريدين ، بغيبة شيوخهم عندهم ، ولا تلقوهم إلى تهلكة الفراق ، وقنطرة النفاق.
وأيضا لا تخرّبوا مزارع الإيمان في قلوبكم ، بالركون إلى الدنيا ولذّاتها.
أما قولهم : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) : فأوقعهم الله في شرّ الاستدراج ، وحجبهم عن إصلاح المنهاج ، فرأوا مساوءهم المحاسن ، فاحتجبوا عن المعنى ، وخرجوا بالدعوى ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا في ترك نصيحة العلماء ، ومصادفة الأولياء ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
وقيل : (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) : بعصيان الناصحين لهم ، (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ؛ لأنهم محجوبون عن طرق الإنابة والهداية.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي : يتركهم على ما هم عليه ، ولا يهديهم إليه.