وأيضا يريهم الأعمال ، ويحرّم عليهم الأحوال.
وقيل : يحسّن في أعينهم قبائح أفعالهم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) : لما احتجبوا عن رؤية حقيقة مشاهدة الأحوال ، ولم ينالوا عزة معاني القربة ، آثروا حظوظهم على ما أوتوا من الكرامات الظاهرة حين باعوها بلذائذ الشهوة ، وهذه صفة إبليس وبلعام وبرصيصا ، وأمثالهم من أهل الخداع.
وقال ابن عطاء : القناعة بالحرص ، والإقبال على الله تعالى بالميل إلى الدنيا.
(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) : ما ربح من يبدّل بي سواي.
(وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) : في سابق علمي فلأجل ذلك مالوا عني.
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) : هذا مثل من دخل طريق الأولياء بالتقليد لا بالتحقيق ، يعمل عمل الظاهر ، وما وجد حلاوة الباطن ، فترك الأعمال بعد فقدان الأحوال.
وأيضا مثل من استوقد نيران الدعوى ، وليس معه حقيقة الغنى ، فأضاءت ظواهره بالصيت والقبول ، فأفشى الله نفاقه بين الخلق ؛ حتى يبدوه في أخسّ السخرية ، ولا يجد مناصا من فضاحة الدنيا والآخرة.
وقال أبو الحسن الورّاق : هذا مثل ضربه الله لمن لم تصحّ له أحوال الإرادة ، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاء إلى أحوال الأكابر ، فكان يضيء عليه الأحوال الإرادية لو صحّحها بملازمة آدابها ، فلمّا مزجها بالدعاوى ، أذهب الله عنه تلك الأنوار ، وبقي في ظلمات دعاويه ، لا يبصر طريق الخروج منها.
وقال الواسطي : آمنوا بالغيب ، ولما عاينوا الحق في القيامة ، علموا حقيقة أن ما آمنوا به بعيد مما شاهدوا.
وقال بعضهم : الله غيب ، وهو مغيّب الغيب ، والقلب غيب ، فإذا آمن الغيب بالغيب ، رفع الحجاب عن الغيب ، فوجد في غيب الغيب صاحب الغيب ، وذلك قوله سبحانه : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
قال بعضهم : الذين يؤمنون بالغيب في الغيب للغيب.
وقال الأستاذ : حقيقة الإيمان التصديق ، ثم التحقيق ، وموجب الأمرين التوفيق ، فالتصديق بالعقد ، والتحقيق ببذل الجهد في حفظ العهد.
وفرسان أهل الغيب خمس طوائف : النفوس ، والأرواح ، والعقول ، والقلوب ، والأسرار ، ومشاربهم متفاوتة : فمشرب صرف بلا مزاج ، ومشرب عذب بلا أجاج ، ومشرب ملح ، ومشرب ريّق ، ومشرب سائق ، ومشرب زنجبيل المحبّة ، ومشرب سلسبيل المعرفة ،