وأيضا : أي : حمد الله لله ؛ لأنه مادح نفسه بالحقيقة لا غير.
وأيضا : أي : الحمد القديم يرجع إلى القديم ، وليس للحدث فيه نصيب ، لأن حمده أزليّ ، والحمد الأزلي لا يليق إلا بالأزلي.
قيل : حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده.
قال الجنيد : الحمد صفة الله ؛ لأنه حمد نفسه بتمام الصفة ، ولو حمد الخلائق كلهم لم يقدروا الإقامة ذرة من صفته ، وبيان قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : هذا الحمد بالحقيقة لمن هذا صنعه وقدرته ، وما دام لم تقدروا معرفة نعمته في صنعه وفعله لم تقدروا على حمده وثنائه ، له سموات ، وأخصّ سماواته الروح المقدسة ، وله أرضون ، وأخصّها القلب السليم الصافي بوضوح الفطرة الصافية فيه الروح سماء القلب ؛ لأن منها تتنزل عليه قطرات الإلهام ، ويقع عليه منها أنوار الرحمن والقلب أرضها ، لأنه ينبت أزهار الحكمة وأنوار المعرفة.
قيل : السموات المعرفة ، والأرض الخدمة.
قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) أي : الذي خلق الروح والقلب جعل في الروح نور العقل لعرفان الآيات والشواهد ، وجعل في القلب ظلمة النفس الأمّارة لظهور العبودية في محل الامتحان.
وأيضا : أسرج في القلب نور الإيمان من سراج الغيب ، وأنشأ في النفس ظلمة الشهوات من عالم الريب.
وأيضا : نوّر الروح بنور المشاهدة ، وأدخل القلب في ظلمة المجاهدة.
قال بعضهم : أبدى الظلمات في الهياكل ، والنور في الأرواح.
وقال بعضهم : جعل الظلمات أعمال البدن ، ونوّر أحوال القلوب.
__________________
لوفور إحسانه ، والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله ، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله ، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحوله ، وحمد الخلق له على إنعامه وطوله ، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو ، واستيجابه لنعوت العز والسمو ، فله الوجود «قدرة» القديم ، وله الجود الكريم ، وله الثبوت الأحدي ، والكون الصمدي ، والبقاء الأزلي ، والبهاء الأبدي ، والثناء الديمومي ، وله السمع والبصر ، والقضاء والقدر ، والكلام والقول ، والعزة والطول ، والرحمة والجود ، والعين والوجه والجمال ، والقدرة والجلال ، وهو الواحد المتعال ، كبرياؤه رداؤه ، وعلاؤه سناؤه ، ومجده عزه ، وكونه ذاته ، وأزله أبده ، وقدمه سرمده ، وحقه يقينه ، وثبوته عينه ، ودوامه بقاؤه ، وقدره قضاؤه ، وجلاله جماله ، ونهيه أمره ، وغضبه رحمته ، وإرادته مشيئته ، وهو الملك بجبروته ، والأحد في ملكوته ، تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه!! [تفسير القشيري (١ / ٢)].