لا جسديّا ؛ لأنه تعالى أودع الأرض ودائع حكمته ولطائف فطرته من الأرواح القدسية والأشباح الملكوتية ، وجعل لفظ الطين نكرة غير معينة ، أي : من طين الجنة خلق أجسام المؤمنين ، ومن طين الحضرة أي القربة أجساد الموقنين ، ومن طين المحبة أشباح المحبين والمشتاقين ، كما أخبر سبحانه لداود عليهالسلام : «خلقت قلوب المشتاقين من نوري ، ورقمتها ونعمتها بجمالي ، وخلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم عليهالسلام خليلي ، وموسى عليهالسلام كليمي ، وعيسى عليهالسلام روحي ، ويحيى عليهالسلام صفيي ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم حبيبي».
وقال الحسين : ردهم إلى قيمتهم في أصل الخلقة ، ثم أوقع عليهم نور إليه وخاصية الخلقة ، فتميزوا بذلك عن جملة الحيوانات بالمعرفة والعلم واليقين.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) أي : يعلم لهيب نيران الاشتياق إلى جماله في صميم أسراركم ، وما يتعرض إلى سبل عساكر تجلّي القدم بنعت طلب الوصول إليها في ضمائركم ، ويعلم حركات أشباحكم بطيران أرواحكم في الولد والهيمان والوجد والهيجان ، ويرى قطرات عبرات الشوق على خدودكم في سجودكم بين يديه بوصف التضرع في جبروته وتقلب القلوب في ملكوته.
وأيضا : يعلم جولان أرواحكم في السماء لطلب معادن الأفراح ، ويعلم تقلب أشباحكم في الأرض لطلب الوسيلة إلى مشاهدته.
ألا ترى كيف أشار إلى ذلك بقوله : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) يريكم في السموات مشاهدة الجبروت ، وفي الأرض مشاهدة الملكوت.
قال بعضهم : يعلم ما تضمرون في سرائركم ، وما تجهرون به من دعواتكم.
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩))
قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) من عمي