قلبه عن مشاهدة الله كيف يراها في آثار الله؟! وآياته في السماوات والأرض ، وفي وجوه أنبيائه وأوليائه ، حيث أشرقت بحسن وقوع تجليها وظهور سناها بما فيها ، ويزيد على عمائه عمى ؛ لأنه موسوم بسمة البعد في الأزل ، غير مقبول إلى الأبد.
قال النصر آبادي : آياته في خلقه أولياؤه ، وأهل صفوته.
قوله تعالى : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) طلبوا رؤية الملائكة عيانا ، وليسوا هم أهل ذلك ، ولو كانوا أهل الحقيقة لرأوا في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم يكن في وجوه أهل الملكوت من سنا إشراق صفات نور الأزل ؛ لأنّه كان مشكاة نور الذات والصفات ؛ لقوله سبحانه : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥] ، ولكن كيف يرون ذلك ، وهم عيان في ظلمات ظلال القهريات؟ قال تعالى : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨].
والإشارة في قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أن المريدين لم يروا أهل الملكوت إلا بالمثال الحسي ؛ لأنهم في ضعف عن رؤية ماهيتها ، ولو يرون الملك لم يروه إلا في صورة الآدمي الذي هو موقع الالتباس.
(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (١) معناه : أريناهم رؤية أهل الغيب في اللباس الإنساني بغير وقوفهم على صفات الروحاني ؛ لأنّهم أهل التلبيس في المعاملات ؛ حيث وقعوا في ورطة الفترة ، ويدعون مقام أهل الاستقامة.
وأصل البيان في ذلك أي : خلطنا عليهم ما يخلطون ، حتى لا يعلموا سبيل خداعهم كما يريدون ، ويرجع كيدهم على أعناقهم ، ويسيروا في ظلمات التردد ، ولا يعلموا نكاية كيدهم عند الأولياء والصديقين.
__________________
(١) قال ابن عجيبة : أي : لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم وعلى ضعفائهم ، أو لفعلنا لهم في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به على أنفسهم وضعفائهم ؛ فإن عادة الله في إظهار قدرته أن تكون مرتدية برداء حكمته ؛ ليبقى سر الربوبية مصونا ، فمن سبقت له العناية خلق الله في قلبه التصديق بها ، حتى علمها ضرورة ، وغيره يلبس الأمر عليه فيها.
وكرامات الأولياء كمعجزات الأنبياء ، لا تظهر إلّا لأهل الصدق والتصديق ، ولا يتحقق بولايتهم إلّا من سبق له الوصول إلى عين التحقيق : «سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه» ، فأهل الإنكار عليهم لا يرون إلا ما يقتضي البعد عنهم ، وأهل الإقرار لا يرون إلا ما يقتضي القرب منهم والمحبة فيهم ، والله تعالى أعلم [البحر المديد (٢ / ١٢٦)].