ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١))
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ذكرت في موضع آخر تفسير قوله تعالى : (أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أنشأ الكل من جواهر الفطرة ، وجوهر الفطرة منشأ نور فعل الخاص ، ومنشأ نور فعل الخاص ظهور الصفة ، وظهور الصفة وظهور الذات تجلّي القدم ، فأخرج الكل من العدم تخصيص لطائف الخطاب بالإشارة إلى نفس واحدة ، أي : بظهور نفس وحدانية أزلية أبدية منزّهة عن الاجتماع والافتراق ، فبعض القلوب مستقرها الملكوت ، ومستودعها عالم الجبروت ، وبعض العقول مستقرها الملكوت ، ومستودعها عالم الجبروت ، وبعض العقول مستقرها الآيات ومستودعها الصفات ، وبعض الأرواح مستقرها الصفات ومستودعها الذات بنعت البقاء في الصفات والفناء في الذات ؛ لأنّ القدم منزّه أن يحل فيه الحدث.
وأيضا : مستقر القلوب المقامات ومستودعها الحالات ، ومستقر العقول العبادات ومستودعها الكرامات ، ومستقر الأرواح أنوار المعرفة من تجلّي الصفات ومستودعها أنوار التوحيد من تجلّي الذات.
قال ابن عطاء : خلق أهل المعرفة على جهة ومنزلة واحدة ، (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) فمستقر في حال معرفة مكشوف عنه ، ومكشوف في حال معرفته مستقر عليه.
وقال بعضهم : مستقر لطاعته وعبادته مع الإيمان به ، ومستودع لذلك زائل عنه بعد موته.
وقال الواسطي : مستقر أنوار الذات على الأبد ، ومستودع لا يعود إليه إذا فارقه.
قال محمد بن عيسى الهاشمي : لم يزل عالما بخلقه شائيا كما أراد ، أودع اللوح ما استقر في كلامه ، ثم أودع إلى اللوح المقادير ما استقر فيه ، ثم كذلك حالا بعد حال حتى بلغه إلى درجة السعادة والشقاوة ، وذلك قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).
قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مخرجها بصورة العلم الأزلي على نعت اختراعه بالقدرة القادرية ، والحكمة الحكيمية ، فلا أخذ من مأخذ المشاكلة والمشابهة ؛ فإنه تعالى ناظرهما بما كان في علمه من منقوش الحكمة ، وسنا القدرة ، وجلال العزّة ، كساهما أنوار فواتح قدرته ، وضياء بهجته لطائف علمها ؛ ليجعلهما أسباب عبادة عباده ، ومعاش جميع