خلقه.
قيل : هو المبدع للأشياء والمبدي لها.
وقال بعضهم : فاق الأشياء جمالا وكمالا.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))
قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) لمّا وصف تعالى نفسه بالقدرة الكاملة في خلق الكون ، وعرّفهم نفسه بإظهار الآيات ، ونفى عن نفسه علّة الحدثان ، وعرّفهم بتنزيه صفاته ، وإفراد ذاته وصفاته من بين الأضداد والأنداد ، ووصف جلاله بالوحدانية الأزلية ، وعرّفهم قدس ذاته وصفاته بخطابه معهم بوصف تلك النعوت ، ألزمهم بعد ذلك العبودية صرفا بقوله : (فَاعْبُدُوهُ) أي : اعبدوا من هذا وصفه ، ولا تتكلموا إلى غيره ، فإن الكون وما فيه خاضع لعظمته بعد أن كان في قبض عزته ، لا يضرّ ولا ينفع إلا بمشيئته الأزلية ، وإرادته القديمة ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي : أنا ملجأ الكل ، ومفزع ذوي الحاجات ، ومناص صواحب العاهات.
قال الأستاذ في الآية : تعرّف عليهم بآياته ، ثم تعرّف إليهم بصفاته ، ثم كاشفهم بحقائق ذاته بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تعريف السادة والأكابر ، وقوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) تعريف العوام والأصاغر.
ثم وصف نفسه عقيب الآية بالتنزيه عن إحاطة أبصار الحدثان به ، وعجزهم في حواشي ساحات كبريائه عن درك مكنون أسرار قدمه ، وإحاطة علمه ، وقدرته بجميع زلات الوجود.
قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) لا تدركه الأبصار إلا بالإبصار ، مستفادة من أبصار جلاله ، وكيف يدركه الحدثان ووجود الكون عند ظهور سطوات عظمته عدم؟!
(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ببصره القديم المنزّه عن المشابهة بالحدثان ، بأن يكسوها أنوار صفاته لتراه لا بنفسها ؛ لأنه بلطف ذاته ممتنعق عن مطالعة خلقه مع علو شأن علمه وإحاطته بجميعهم وجودا وعدما بقوله تعالى : (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) من لطف جماله انجذاب القلوب بنعت العشق إلى ضياء وجهه الكريم عجزا واضطرارا ، من لطفه غرقت الأرواح في بحار محبته ، وفنيت الأسرار في فضاء هويته ، ودهشت القلوب في معارك أشواقه ،