وكواشف الذات والصفات حين تجلّى له ، ثم أعطى النور للعموم شريعة وبيانا بالمناهج العبودية ؛ لأنهم عند مشاهدة الجلال وسمع الخاص عند كلام الخاص بمعزل.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) وصف المفترين والمائلين عن الطريقة حقها على المريدين بذل النفوس وأمانتها بالمجاهدات والرياضات بأنهم لمّا فارقوا سبيل الحق وقعوا في أودية الباطل ، فصاروا فرق الدعاوى الهالكة ، فبعضهم زراقون ، وبعضهم طرارون ، وبعضهم متشابهة بزي الرجال ، وبعضهم متلبسون بقول الإبطال. قال فارس : لم يستقيموا لله على وتيرة واحدة.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣))
قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) من بقي على رؤية الأعمال فأجره بحساب ؛ لأن أجره من عالم الحدثان من نعيم الجنان ، ومن رفع بصره عن أعماله بنعت الخجل عند رؤية الرحمن أجره بغير حساب ؛ لأنه لطائف العرفان وموائد الإيقان ، وأصل الحسنة إخلاص العبودية عند ظهور الربوبية ، لذلك قال صلىاللهعليهوسلم «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه» (١) ، هذا إحسان العارفين الذين أجرهم مشاهدة الله بلا نهاية.
قال بعضهم : من لاحظها من نفسه فعشر أمثالها ، ومن لاحظها من مواصلة الحق فهو الذي يصلي عليكم وملائكته والله يضاعف لمن يشاء.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) الصراط المستقيم هاهنا أغرب طريق في المعارف والكواشف ، هداه به نبيه إلى نفسه ؛ لأنه خاصّ بذلك من جميع الخلائق.
ألا ترى إلى قوله : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي) كيف خصّ هداية نفسه بالرب ، وذلك وقوع الأسرار في منازل الأنوار وطيران روحه في الملكوت والجبروت حين شاهده نور دنو الدنو بوصف الرؤية الكبرى وسامرات الأعلى بقوله : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ
__________________
(١) تقدم تخريجه.