أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١)) [النجم : ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١] ما رأى ما جاز عن سبيل القدم بعلّة الحدث ؛ لأنه كان محفوظا برعاية الأزلية وعناية الأبدية ، بلغ إلى أقوام الطرق في مشاعر الصفات ومشاعر الذات.
ألا ترى إلى قوله : (دِيناً قِيَماً) مستقيما له منزّها عن اعوجاج البشرية وطوارق التلوين ؛ لأنه بحجة المحبة وصراط النحلة التي سبلها جذبات الأزل ومكاشفات الأبد ؛ لقوله تعالى : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) يعني طريق محبة ملّة إبراهيم عليهالسلام في خلته ، وإن كان هو مخصوصا بأغرب طريق المعارف من جميع الخلائق ، وصفه بالحنيفية المائلة في طريق المحبة عن غير الحبيب من تلك سبيله وصل إلى حبيبه ؛ لأنه مقدّس من شوك الشرك وغبار القطيعة بقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) طريق المحبة والخلة واحد في نفس الاقتداء ؛ لأن معدنها عين القدم المنزّه عن كل علّة.
قال أبو عثمان : الصراط المستقيم الاقتداء والاتباع ، وترك الهوى والابتداع ، ألا تراه يقول : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣)) [النجم : ٣].
وقيل في قوله : (دِيناً قِيَماً) أي : سليما من الاعوجاج وهواجس النفس ، ووجود لذّة المراد فيه ، ولمّا وصفه عليهالسلام باهتداء إلى جلاله وجمال وصفه بتنزيهه عن رؤية جميع الخلائق في عبادة خالقه ، أمره بتعريف حاله ، وقدس سنائه عن الإذاعة في الحدثان بقوله : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) صلواته وصلة ، وسجوده قربة ، وشهوده مشاهدة ، وركوعه وجد ، وقيامه حيرة ؛ لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «قرّة عيني في الصلاة» (١) ؛ لأن قرة عينه ظهور مشاهدة الله في صلواته ، ولذلك أزه واردات تجلّي الجلال والجمال ، حتى قيل : كان يصلي ولحوقه أزيز كأزيز المرجل ، أي : هذه الصلاة لله لأنها مقدسة من رؤية غير الله فيها ، ومن مثابتها كانت لله خاصة لخصوصية صاحبها وشرفها على جميع الخلائق ، ولأن الصلاة عبادة ، والجهود كانت بالعرض إلا هذه الصلاة ؛ لأنها كانت فناء الحدث في القدم ، وقربان منهم روح الأول على باب الأزل بسيف المحبة والعشق شوقا إلى معدنه ، وهذا معنى قوله : (نُسُكِي) فإذا جعل وجوده قربان الأزل حيى بحياة القديم ، ثم فني في ظهور سطوات العزّة به ، كانت حياته ومماته ومثل هذه الحياة والممات والنسك والصلاة أن يكون لله رب العالمين لقدسها عن علة حظ الحدثان ، وخطرات علة النسيان.
__________________
(١) رواه النسائي في الكبرى (٥ / ٢٨٠).