الضعيف موسى عليهالسلام صعقا على وجهه ، ليس معه روحه ، فقلب الله الحجر الذي كان عليه موسى عليهالسلام وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى عليهالسلام ؛ ولذلك قال له سبحانه في تعريفه عظمته وجلاله وغلبته قهر سلطان كبريائه على كل شيء ، قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) أي : أنا أتجلّى من نور عظمتي للجبل لك ، ولاستقر الجبل لتجلائي مع عظيم أجزائه وصلابة وجوده ، فكيف تحمل صورتك الضعيفة أثقال عزتي؟! لو تريد أن تراني انظر إليّ بعين روحك وقلبك ، فإني أتجلّى لهما بحسن جمالي ولطف جلالي ، وقلبك يسع ذلك التجلّي ، لأنه خلق من نور ملكوتي ، ورقمته بنور جبروتي ، وفي ذلك نطق على لسان نبيه عليهالسلام حيث حكى عنه تعالى بقوله : «لم يسعني السماوات والأرض ويسعني قلب عبدي المؤمن» (١).
وأيضا : طلب موسى عليهالسلام رؤية الحق بعين الظاهر ، وهناك عينه محجوبة عن فؤاده ، فاحتجب عن رؤيته ، وكان فؤاد محمد صلىاللهعليهوسلم في عينه حين شاهد جمال الحق سبحانه ، فرآه بالفؤاد وبالعين.
قال تعالى في وصفه : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) [النجم : ١١] ، قيل : ما كذب فؤاده ما رأت عينه ، تصديق ذلك قوله عليهالسلام في مراتب معراجه : «رأيت ربي بعيني وبقلبي» (٢).
ومن دخل فؤاده الملكوتي في عينه وقت تجلّى الجلال وكشف الجمال يراه كفاحا بلا حجاب ، فإن لله عبادا كسا نور جماله أفئدتهم ، وكمل أبصار أسرارهم بكمل الملكوت والجبروت ، فتدخل القلوب بنور الغيوب في عيونهم فلا يرون شيئا من العرش إلى الثرى إلا ويرون جلال الله تعالى فيها.
كما قال بعض العاشقين : ما نظرت إلى شيء إلا ورأيت الله فيه ، كان موسى عليهالسلام غائبا في بحر صفات الحق ومستغرقا فيها ولم يعلم أين هو ، ظن أنه غائب من دوام شهوده مشاهدته عنه ، فسأل الرؤية فقيل له : (لَنْ تَرانِي) كأنه استفهم ، أين أنت حيث أنا أنت وأنت أنا ، وأنشد في معناه بعض الشعراء :
كبر العيان عليّ حتى أنّه |
|
صار اليقين من العيان توهما |
فلما رآه غائبا أراد أن يعرف مكانه فأحاله إلى الواسطة ؛ ليعرف قدر الوصل في البين ، وتعرف مكانه من المشاهدة.
(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) عرف الجبل أن التجلي له عارية ، وبينه وبين التجلّي حجاب امتناع
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) سبقت الإشارة إليه ، وهو من الأحاديث التي ذكرها المصنف بكتبه.