الأحدية عن مباشرة الخليقة ، اندك من حسرة فوت التجلّي ، فلمّا رأى موسى عليهالسلام تجلّي الحق بالواسطة عرف أنه سقط من مقام الاتحاد وغيبوبته في الصفات ، وارتهن بعلّة بسؤاله بالواسطة ، فخرّ صعقا من حسرة فوت المقام.
أنشد الحسين في هذا المعنى :
ما لي جفيت وكنت لا أجفى |
|
ودلائل الهجران لا تخفى |
وأراك تمزجني وتشربني |
|
ولقد عهدتك شاربي صرفا |
هذا معنى قوله تعالى : (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) فأدركه لطف الباري سبحانه وأحياه بروح المشاهدة ، فلمّا أفاق علم أنه مقصر من معرفة المقام وما كان فيه فاعتذر ، وقال : (قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).
وأيضا : كان في بحر الصفات على محل شهود نعوت الأزلية فتقاضى سره إدراك حقائق الذات بعد فنائه في الصفات ، فأسقط عن مقامه غير ذات الأزلي حتى صيرته بنعت البشرية وردته إلى مقام البداية ، فعلم في الصحوة ما أخطأ في السكر من طلب الاطلاع على كنه القدم ، فقال : (سُبْحانَكَ) من إدراك الحدث قدمك وجلال أزليتك.
(تُبْتُ إِلَيْكَ) ممّا طلبت فأنا أول المقربين بأن لأثبت أقدام الحدثان على صفوان الأزل ، ولا تستقر حثالة الخليقة عند هبوب عواصف القدمية عنها ، لمّا رجع صار في مقام «لا أحصى عليك» (١).
علم السيد عليهالسلام هذا المقام في أول شهوده عين الكل ، فقال : «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).
قيل : علّة الفناء والامتحان ، وعلم موسى عليهالسلام هذا المقام بعد الامتحان والفناء ، ولو علم في الأول إدراك ما أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم تاب موسى عليهالسلام مرة من هذا المقام ، وتاب الحبيب عليهالسلام من هذا المقام في كل يوم سبعين مرة.
قال صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة» (٣).
كان عينه نكرة القدم فتاب من تقصيره عن معرفة حقائقه ، فرعاه الحق برعاية الكرم وعفاه عن إدراكه كنه القدم بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم كسابقه.
(٣) رواه مسلم (٤ / ٢٠٧٥).