[الفتح : ٢] أي : من تقصير إدراكك كنه القدم ، وما تقصر إدراكك كنه القدم ، وما تقصر إدراك كنه أبد الأبد.
وأيضا : تاب كليم الله من تلوينه في مقام العشق والشوق إلى جمال القدم حيث أحاله بعد سؤاله كشف جماله إلى رؤية الوسائط بقوله : (انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) أي : تبت من دعوى عشقك والشوق إلى جمالك بالحقيقة ، فلو كنت متحققا في جبل لم ألتفت إلى غيرك بسؤاله في مقام السكر ، لذلك نطق بلسان السكارى.
فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فلمّا سمع (لَنْ تَرانِي) صار صاحبا لم ينطق بلسان البسط بعد ذلك ، فصرفه بالنظر إلى الجبل فتابع أمر قوله : (أَنْظُرْ) فأمتثل الأمر ، وما كان في محل السكر ما نظر إلى الغير ولم يكن مأخوذا بجرأته وانبساطه ، فلمّا رجع من السكر إلى الصحو ، ورجع من الحقيقة إلى الشريعة احتمل الجنايات ، واعترف بتقصيره بنظره إلى غيره ، قال : (تُبْتُ إِلَيْكَ).
وأيضا : (سُبْحانَكَ) أي : من أن يكون لك في مواهبك له علّة الاكتساب ، (تُبْتُ إِلَيْكَ) من قولي : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) بعد قولي : (أَرِنِي) ولو اكتفيت ب (أَرِنِي) ما احتجت إلى التوبة ولكن لمّا ذكرت فعل عيني بقولي : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، (تُبْتُ إِلَيْكَ) ، فأين الحدث من استجلاب القدم إليه وأدق الإشارة.
أي : (تُبْتُ إِلَيْكَ) من إشارتي إلى نفسي في سؤالي بقولي : (أَرِنِي) ، ومن أنا حتى (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، الآن (تُبْتُ إِلَيْكَ) لأراك بك لا بي ، بعد أن فنيت فيك
فترى عينك جمالك لي لا بي |
|
بيني وبينك أن ينازعني |
فأرفع بأنك أنني من البين ؛ ولذلك غار عليه ملائكة الملكوت حين صعق.
روي في بعض الكتب : «إن ملائكة السماوات أتوا موسى عليهالسلام وهو مغشي عليه ، فجعلوا يركلونه بأرجلهم ويقولون : يا ابن النساء الحيض ، أطمعت في رؤية رب العزة؟» (١).
كان الملائكة معذورين فإنهم ممنوعون من قوام القرب بمقرعة خوف العظمة ، ولم يعلموا أن هذه القصة وقعت على العاشقين الذين اصطفاهم الله في الأزل بمحبته وعشقهم في أزله بعشقه وشوقه عشقهم به ، وشوقهم إلى جماله ، وبانبساطه معهم كما جعلهم منبسطين إليه حتى سألوا ما لم يطمع فيه الكروبيون والروحانيون ، ولم يعلموا أن موسى عليهالسلام رأى مناه
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٧ / ٧٦).