قال الواسطي : (لَنْ) إلى وقت ولا على الأبد.
قال جعفر : شغله بالجبل ثم تجلّى ، ولولا ما كان من اشتغاله بالجبل لمات موسى عليهالسلام صعقا.
وقال الواسطي في قوله : (جَعَلَهُ دَكًّا) صار الجبل كأن لم يكن قط ، ولا عجب لهيبة ما ورد عليه.
قال أبو سعيد القرشي : الجمال والكرم يبقيان ، والهيبة والإجلال يفيآن ، كمّا أن الله كلم موسى عليهالسلام بصفة الهيبة وتجلّى للجبل ، فصار الجبل دكا وخرّ موسى عليهالسلام صعقا ، وكان آخر عهده بالنساء ، ولم يتهيأ لأحد أن ينظر في وجهه.
قال الواسطي : وصل إلى الخلق من صفاته ونعوته على مقاديرهم لا بكلية الصفات ، كما أن التجلّي لم يكن بكلية الذات.
وقال أيضا : قالوا إليّ نقيت التجلّي ، والله يقول : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله إذا تجلى لشيء خشع له» (١).
قلت : ذلك على التعارف ومقادير الطاقات ، أليس بمستحيل أن يقال : تجلّى الهواء لذرة واحدة ، ولو احتجب لساوتها ، ولو تجلّى لقاء ربها ، وهو أجل من أن يخفى ويستر وأعزّ من أن يرى ويتجلّى إلى وقت الميعاد ، تنزّه عن أن يقع عليه إلا للحظ بمعانيها ، أو تقع تحت الألسنة بأماليها.
قال : وقرئ بين يدي الجنيد (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) فصاح ، وقال : بالجهل صار دكا لا بالتجلّي ؛ إذ لو وقع عليه آثار التجلي أفناه بكيف التجلّي.
وقال شيخنا وسيدنا محمد بن خفيف ـ قدس الله روحه ـ في قوله : (قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) لمّا قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) ، قال : (تُبْتُ إِلَيْكَ) من ألا أصدقك بكل ما ورد منك وأطالبك بالعلامات ، وذلك لمّا قال : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) لم يكفه حتى نظر إلى الجبل ، فلمّا لم يقل موسى عليهالسلام كفاني قولك : (لَنْ تَرانِي) حتى نظر إلى الجبل ، فالتوبة من هذا.
وقال بعضهم : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) أن أسالك خطابي ؛ إذ لا يحيط بك أحد ولا يشهدك غيرك.
__________________
(١) تقدم تخريجه.