سئل الحسين بن منصور : لم طبع موسى عليهالسلام في الرؤية وسألها قال : لأنه انفرد للحق فانفرد الحق في جميع معانيه وصار الحق مواجهه في كل منظور إليه ومقابلة دون كل محظور لديه على الكشف الظاهر إليه لا على التغيب ، فذلك الذي حمله على سؤال الرؤية لا غير.
قال أبو عثمان المغربي : لمّا قال موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، قال الله : يا موسى عليهالسلام اضرب بعصاك الجبل ، فضرب عصاه الجبل فظهر سبعون ألف بحر ، في كل بحر سبعون ألف جبل ، على كل جبل ألف موسى عليهالسلام عليهم الكساء وبأيديهم العصا ، يقولون كلهم : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، فلمّا رأى ذلك (خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) أيطمع في ليلي ، وتعلم أنها تقطع أعناق الرجال المطامع.
ثم إن الله سبحانه لمّا أبقى موسى عليهالسلام في درك حيرة رؤية الأزل ، واستغراقه في بحار الشوق إلى وجهه ، تلطف عليه وتسلّى قلبه بتعريف منّته الشاملة عليه ليكون شاكرا لأنعامه ، ومتسليا بتدارك قلبه بإكرامه ، فقال : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي : سبقت لك في الأزل اصطفائيتك المقدسة عن علّة الحدث برسالتك مني إلى أحبائي ، وتلك الرسالة شاملة لجميع ما يتوقع فيه الأولون والآخرون من الدنو ودنو الدنو ، والقرب ، وقرب القرب ، والوصال وكشف الجمال ؛ لأنها محل الاستقامة ووجدان جميع المنية.
وأيضا : سبقت لك الاصطفائية بأن تسمع مني كلامي بلا واسطة ، وتعلم منه أسرار ملكي وملكوتي ، ألبستك من فعلي لباس الرسالة ، ومن أنوار كلامي وصفتي لباس الربوبية ؛ فصرت موصوفا بصفتي حين اصطفيتك ، فوقعت في نور فعلي ، ثم وقعت في نور صفتي ، حتى صرت في معنى الإنصاف مشاهدا لذاتي ، ولا تخلو شعرة من جسدك إلا ولها عين من عيوني فتراني بتلك العيون ، فإيش تطلب مني ، بقولك : (أَرِنِي) كن من الشاكرين فيما أعطيناك من هذه المنازل السنية والمراتب الرفيعة ، ولا تكن مهتما من قلّة إدراكك غوامض بطون قدمي وأزلي.
وقال بعضهم : الاصطفائية أورثت التكليم والكلام لا التكليم أورث الاصطفائية.
وقيل في قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) من عطائي ، (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لا من المدعين المختارين ، فما سبق مني إليك أكثر ممّا اخترته لنفسك.
وقال بعضهم : لمّا قال : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (١) أورث الاصطناع والاصطفائية ،
__________________
(١) أي ربيتك بصنائع المعروف تربية من يتكلف تكوين المربى على طريقة من الطرائق (لنفسي) أي لتفعل