(وَأَطِيعُوا اللهَ) في الحقيقة ، (وَرَسُولَهُ) في الشريعة.
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن كنتم صادقين في دعوى المحبّة.
قال سهل : «التقوى» : ترك كلّ شيء يقع عليه الذمّ.
وقال الأستاذ : «التقوى» : إيثار رضا الحق على مراد النفس ، ثم وصف المؤمنين بالعلامات الصحيحة الدّالة على صدقهم التي إذا رأيتها لا تشك في إيمانهم ، وذلك تأثير وارد أنوار الغيب التي ترد على قلوبهم ، فتظهر علاماتها في وجوههم ، بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
وصف السامعين من أهل الإيمان والإيقان عند جريان ذكره ، وسماع خطابه ، وتلاوة كتابه بالوجل ، الذي يكون عند سماع الذكر من رؤية جلال الله وعظمته ، تجلّاها يزيد لإيمانهم نور الغيب ، ولإيقانهم سنا القرب ، ولحسن رضاهم في طاعته روح الأنس ، حتى يصيروا خائفين من عظمته ، عارفين بربوبيّته ، متوكّلين بكفايته (١).
قال شيخنا وسيدنا أبو عبد الله بن خفيف ـ قدّس الله روحه ـ في ذكر الوجل في هذه الآية قال : واعلم أن أحكام الوجل إنّما تصح للوجلين عند تكشّف أستار ألوان ، وذهاب حجب الغفلات من القلوب ، فيشهد بقوة علمه ، وصفاء يقينه سطوات الخوف ، فداخله لطيف الوجل برقّة الإشفاق ، وذلك مما جلى عن القلوب بعزّ جنابه وتعظيمه وترهيبه كلّ ساتر.
قال أبو سعيد الخرّاز : هل رأيت ذلك الوجل عند سماع الذكر ، أو عند سماع كتابه وخطابه ، هل أخرسك سماع ذلك الذكر حتى لم تنطق إلا به؟ وهل أصمّك حتى لم تسمع إلّا به منه ، هيهات.
وقال سهل في قوله تعالى : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) : هاجت من خشية الفراق ، فخشعت الجوارح لله بالخدمة.
__________________
(١) الأنفال هاهنا ما آل إلى المسلمين من أموال المشركين ، وكان سؤالهم عن حكمها ، فقال الله تعالى : قل لهم إنها لله ملكا ، ولرسوله صلىاللهعليهوسلم لحكم فيها بما يقضى به أمرا وشرعا. قوله جلّ ذكره : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي : أجيبوا لأمر الله ، ولا تطيعوا دواعي مناكم والحكم بمقتضى أحوالهم ، وابتغوا إيثار رضاء الحقّ على مراد النّفس ، وأصلحوا ذات بينكم ، وذلك بالانسلاخ عن شحّ النّفس ، وإيثار حقّ الغير على مالكم من النصيب والحظّ ، وتنقية القلوب عن خفايا الحسد والحقد.