وقال الواسطي : الوجل على مقدار المطالعة ، ربما يريه مواضع السطوة ، وربما يريه مواضع المودّة والمحبّة ، وربما يريه التقريب والتبعيد.
وقال الجنيد : وجلت قلوبهم من فوات الحقّ.
وقال بعضهم : الوجل على مقدار المطالعات ، فإن طالع السطوة هاب به ، وإن طالع ودّه وجل عليه مخافة فوته ، ومن جملة ذلك من طالع التقريب بالتأديب وجل ، ومن طالع التهديد بالتبعيد وجل ، ومن طالعه مغيّبا عن شاهده ، قائما بسرمده ، خاليا من أزله وأبده ، فلا وجل حينئذ ولا اضطراب ، ولا تباعد ، ولا اقتراب ، فإنّه محقق بالذات ، ونسي الصفات ، وفني عن الذات بالذات ، كما هرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الصفات إلى الذات ، فقال : «أعوذ بك منك» (١).
قال الجنيد في قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) : إنّ لا وصول إلى الله إلا بالله.
قال الأستاذ : يخرجهم الوجل من أوطان الغفلة ، ويزعجهم عن مساكن الغيبة ، وإذا انفصلوا عن أودية التفرقة ، وجاءوا إلى مشاهدة الذكر ، نالوا السكون إلى الله ، فيزيدهم ما يتلى عليهم من آياته تصديقا على تصديق ، وتحقيقا على تحقيق إذا طالعوا جلال قدره ، وأيقنوا قصورهم عن إدراكه ، توكّلوا عليه في إمدادهم برعايته في نهايتهم ، كما استخلصهم بعنايته في بدايتهم.
ويقال : سنّة الحق سبحانه مع أهل العرفان ، أن يودّهم بين كشف جلاله ولطف جماله ، فإذا كاشفهم بجلاله ، وجلت قلوبهم ، وإذا لاطفهم بجماله ، سكنت قلوبهم ، قال الله تعالى : (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) [الرعد : ٢٨].
ويقال : وجلت قلوبهم لخوف فراقه ، ثم تطمئن وتسكن أرواحهم بروح وصاله ، فذكر الفراق يفنيهم ، وذكر الوصال يصحبهم ويحييهم.
ثمّ إن الله سبحانه زاد في وصفهم بالعبودية ، وبذل المهجة في الطريق ، بقوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ، ثم وصفهم باستكمال إيمانهم ، بقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) : فشرط حقيقة الإيمان بهذه الخصال التي ذكرها في الآيتين اللتين في صدر السورة ، كان من لم يتحلّ بهذه الخصال المذكورة لم يتحقّق في إيمانه ، وهي التقوى والإصلاح بين المؤمنين ، وذلك محل صحبتهم ، وهو نوع من التمكين والانقياد
__________________
(١) تقدم تخريجه.