البحار.
فالأرواح أصداف ، بحار الأفعال تتلقف قطرات عرفان الصفات من بحار الذّات ، كما تتلقف الأصداف في البحار من قطر الأمطار ، فتصير القطرة في أجوافها درّا ، فكذلك قطرة المعرفة في جوف الأرواح ، تصير درّة الحقيقة ، والحكمة الإلهية الأزلية.
قال بعضهم : ماء اليقين إذا نزل على الأسرار ، أسقط عنها الاختلاج والشكّ.
قال الله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من كل ما تدنّستم به من أنواع المخالفات ، ثم وصف ذلك الماء الحقيقي بأنه يربط به قلوبهم في معرفة العبودية والربوبية ، وهو ماء اليقين الذي يقوّي القلوب في معرفة الله ، ويثبّتها بوصف التمكين والاستقامة في سيرها في المقامات ، بقوله :
(وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) : نفّس عن قلوبهم وحشة الفرقة ، وأثبتها في رؤية الوصلة ، وتجلّي القربة بربط أبدانهم بالطاعات ، وربط عقولهم بالآيات ، وربط قلوبهم بأنوار الصفات ، وربط أرواحهم في سطوات الذات ، وربط أسرارهم بعلوم الآزال والآباد.
ثم أخذ أيديهم عن استغراقهم فيه بنعت الفناء ، وثبّتهم به في مقام البقاء ، ولولا تثبيته إيّاهم ، لفنوا في أول باد بدا من ربوبيته ، وأول ظهور سطوة من سطوات عظمته كانوا يحتملون به ، ومشاهدته قهر سلطان عزّته.
قال بعضهم : ربط على قلوب أوليائه ، لتلقي البلاء بالمحبّة والصبر ، وربط على قلوب العارفين ، لثبات الأسرار في مشاهدة ما يبدو لهم من الغيوب ، ويثبّت أقدام أهل الاستقامة ، فاستقاموا له على جميع الأحوال ، ولم يزالوا.
قال بعضهم : القلوب ثلاثة : قلب مربوط بالأكوان ، وقلب مربوط بالأسماء والصفات ، وقلب مربوط بالحق.
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ