يبق في تجلّي علمه وصفته وذاته من وصف الحدوثية شيء.
لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «من رآني فقد رأى الحق ، ومن عرفني فقد عرف الحق» (١).
كأن تفرقته في عين الفعل جمعا ، وجمعه في الصفة جمع الجمع في عين الذات ، وفي عين الذات من حيث الألوهية جمع بغير تفرقة ، ومن حيث الخليقة تفرقة وجمع.
ذكرت نبذة من مقام الاتّحاد والاتّصاف بالجمع ، والتفرقة في هذه الآية لا يعرف معناها إلا صاحب رجاء العشق ، وبسط المحبّة ، وروح الشوق ، وأنس المشاهدة ، وانبساط المعرفة ، وفناء المعرفة والتوحيد ، والبقاء والاتصاف ، وإدراك علم الله في المجهول عند علوم العلماء ، وفهوم الفقهاء.
وما ذكر المشايخ في الآية قول فارس : ما كنت راميا إلا بنا ، ولا مصيبا إلا بمعونتنا ، وإمدادنا إيّاك بالقوة.
قال بعضهم : ما رميت ، ولكن رميت بسهام الجمع ، فغيبك عنك ، فرميت ، وكنّا رامين عنك ؛ لأنّ المباشرة لك ، والحقيقة كنّا إذ لم يفترق.
وقال الأستاذ : (إِذْ رَمَيْتَ) فرقا ، ولكن الله رمى جمعا ، والفرق صفة العبودية ، والجمع نعت الربوبيّة ، ثمّ عرّف موضع نعمته برميه بنفسه ، وصرف قهره عنهم ، بقوله : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) كما باشر بأنوار صفته قلب نبيّه عليهالسلام في الرمي وأسرارهم في القتل ، باشر بها قلوبهم بحسن تجلّيها ؛ ليعرفوا بها نفسه ، واتجاه إيّاهم من مكره وقهره ، والبلاء الحسن وقوع محبّته في قلوب أوليائه ، وكشف جماله لأصفيائه ، وإسماع خطابه لنجبائه.
سئل الجنيد عن قوله : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً).
قال : «البلاء الحسن» : أن يثبته عند الأمر ، ويحفظه عند الأمر ، ويفرده به عند مشاهدة الفر.
قال رويم : «البلاء الحسن» : أن تكون رؤية الحقّ أسبق إليه من نزول البلاء ، فيمر به البلاء ، وهو لا يشعر ؛ لاستغراقه في رؤية الحق.
وقال أبو عثمان : «البلاء الحسن» : ما يورّثك الصبر عليه ، والرضا به.
وقال علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد قال : أن يفنيهم عن نفوسهم ، فإذا أفناهم عن نفوسهم ، كان هو عوضا لهم عن نفوسهم.
__________________
(١) تقدم تخريجه.