لطلب عيان المشاهدة ، وقبلة القربة ، وتزول الصفة في الصفة ، ووقوع خطاب الخالص في سمع الخاص ؛ حتى تصير لك عين الجمع من جميع الوجوه.
وقيل : فيه أعلّمه أولا أنه بمرأى من الحق ؛ ليكون متأدّبا بآداب الحقّ ، ومن حسن أدبه ، أنه نظر إلى نحو السماء ، ولم يسأل ، وأجيب على نظره إلى مراده.
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) أي : نطيّبك ، ونكشف لك قبلة عين وجودي ، ترضى بها وتؤنسها ، ولا يكون لك بعد ذلك طريقا منها إلى نفسك ، ولا جهة منها إلى الكون ؛ لأن مرادك مرادي ، ومرادي مرادك.
وأيضا إنّي قبلتك حيث توجهت ، حتى تكون بلا جهة في الكون في طلب وجودي ، وقد أدّبه الله بهذا عليه ؛ حتى لا يكون له سواه في جميع مناه.
وقيل : أخبره بعد أن جاء إلى مراده ، إن مرادك لم يخالف من مرادنا ؛ لأن إرادتنا فيك تقلّبك إلى الكعبة ، وإثباتك عليها ، وجعلنا قبلة لك ، ولأمتك قبلة ؛ لتعلم أن رضاك لا يخالف رضانا أبدا. (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : فولّ وجهك نحو المراقبة إلى صدرك ؛ لأنه مسجد أنوار الحقائق ، وهو ممتنع عن الوسواس ، وغبار العلائق ، وفيه القلب ، وهو كعبة الأنس ، وفي تلك الكعبة آيات بيّنات مقامي ، وفي الآيات آثاري ، وفي الآثار آثار صفاتي.
وأيضا فوّل وجهك الظاهر نحو الكعبة ؛ حتى تراني ملبسا بلباس الآيات ، فعينك الظاهر للآيات ، وعينك الباطن للصفات.
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ