كلها بليات أولياء الله في سير أسرارهم في ميادين الوحدانية ، وبيداء الأزلية ، امتحنهم بهذه الصفات ليظهر صدق إرادتهم في طلب مشاهدة الحق عزوجل ، وينفخ بهذه نيران أشواقهم ، وبرياح الجذبة ، ونسيم الوصلة حتى يحترقوا بها في طب مبتغاهم بنعت الفناء ؛ لأن من شرط حقيقة القربة احتراق أرواح السابقين والمقتصدين في أنوار جلال المشاهدة.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) بحصول مقصودهم من بعد خروجهم عن امتحاني ، (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) من هذه المصيبات فروا من قهري إلى حجر لطفي ، وسلموا أنفسهم إليّ حتى أفعل بهم ما أشاء ، وهذا قوله تعالى حاكيا عن خواص عباده : (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
قال الشافعي رضي الله عنه : الخوف خوف العدو ، والجوع شهر رمضان ، ونقص الأموال الزكاة ، والأنفس الأمراض ، والثمرات الصدقات ، وبشر الصابرين على أدائها.
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) عليهم بركات أنوار مشاهدة الحق تعالى ، و (رَحْمَةٌ) يعني رفع الامتحان عنهم ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) إلى مقام الأمن بعد غيبوبتهم في صرف نور القدس ، وصفاء حجال الأنس.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)) الصفا والمروة مخصوصان بأنوار التجلي لقوله عليهالسلام : «جاء الله من سيناء ، واستعلى من ساعير ، وأشرف من جبال فاران» (١) ، وهما ملتبسان بصفاء إشراق شمس العزّة ، ومن صعد إليهما فينبغي أن يري فيهما ضياء لباس القدرة مستغرقا في نور المشاهدة ، وتقدس بنظره إليهما عن كدورات البشرية ، ويظهر فيه الأخلاق المحمودة بنعت صفاء المعرفة ، وأيضا ذكر الصفا والمروة إشارة إلى سرادق الملكوت والجبروت ؛ لأن الصفا والمروة حجابان لمكة ، ومكة حجاب الحرم ، والحرم حجاب البيت ،
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٣ / ١٥٩).