الذكر.
وقال بعض المتأخرين من أهل خراسان : كيف يذكر الحق بعقول مصنوعة أوهام مطبوعة؟ وكيف يذكر بالزمان من كان قبل الزمان على ما هو به؟ إذ الحق سبق كل مذكور.
وقيل : (فَاذْكُرُونِي) على الدوام ليطمئن قلوبكم بي ؛ لأنه يقول : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨].
وقال بعضهم : أتم الذكر أن تشهد ذكر المذكور لك بدوام ذكرك ، قال الله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
قال ابن عطاء : (فَاذْكُرُونِي) من حيث أنا ، (أَذْكُرْكُمْ) من حيث أنا ، ولا تذكروني من حيث أنتم فينقطع دوني ذكركم. وقال بعضهم : (أَذْكُرْكُمْ) بتوحيدي ، (أَذْكُرْكُمْ) بلقائي ، و (أَذْكُرْكُمْ) بطاعتي (أَذْكُرْكُمْ) بالدرجات ، و (أَذْكُرْكُمْ) بالتوبة (أَذْكُرْكُمْ) بالمحبة ، و (أَذْكُرْكُمْ) بالنعمة (أَذْكُرْكُمْ) بالمزيد عندكم ، (فَاذْكُرُونِي) في أفراحكم ، (أَذْكُرْكُمْ) في همومكم.
وقال بعضهم : إن الذاكرين على مراتب ، قوم ذكروا الله بألسنة ناطقة ، وقلوب عارفة حتى وجدوا حلاوة الذكر ، وقوم ذكروا الله بأفعال مخلصة ، وطاعات مرضية حتى نسوا أنفسهم لوصولهم إلى ما طارت إليه قلوبهم ، وقوم ذكروا الله بحالاتهم حتى وقفوا في بحار الحياء ؛ لأنهم نظروا إلى ذكر المولى إياهم في الأزل ، وبقاء ذكره عليهم إلى الأبد ، فوجدوا ذكرهم بين ذكرين عظيمين ، فذابوا حياء ، فصار الذكر عندهم هباء (١).
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
والخوف هاهنا على سبعة أقسام : خوف من النفس ، وخوف من الشيطان ، وخوف من الكفار ، وخوف من النار ، وخوف من الفراق والقطيعة ، وخوف الحجاب ، وخوف التعظيم والإجلال لي ، فهي ثمرات أشجار المقامات ، والحالات السنية ، والكرامات العالية ، وهذه
__________________
(١) قال الشيخ حقي : (أذكركم) بالثواب واللطف والإحسان وإفاضة الخير وفتح أبواب السعادات وأطلق على هذا المعنى الذكر الذي هو إدراك مسبوق بالنسيان والله تعالى منزه عن النسيان بطريق المجاز والمشاكلة لوقوعه في صحبة ذكر العبد ، (اشْكُرْ لِي) على ما أنعمت عليكم من النعم والذكر بالطاعة هو الشكر.