بحبال العشق إلى معدن الألوهية والصمدية ، ولكلّ واحدة منها مطلع ومنبع ، فبعضها والهات ، وبعضها عاشقات ، وبعضها مؤنسات ، وبعضها فانيات ، وبعضها باقيات ، وبعضها صاحيات ، وبعضها ساكرات من هول المقامات ، وكشف المشاهدات ، وبروز المعاينات ، وإدراك المغيّبات ، فاستبقوا الخيرات ، خاطب بهذا أهل الاستقامة أي : سارعوا صرف الأنانية ، فإنه أعلى الدرجات ؛ لأنهن أعني أرواح أهل الوسائط في جلّي الإرادات ، وأنتم أهل النهايات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا أي : أرواح خواص أهل المعرفة ، والأرواح السائرة في ميادين الأزلية ، يأتي بهنّ الله جميعا ؛ بعد محو الإرادات ، واضمحلال الرسومات في سرادق البقاء ، ويسقي كل روح من الأرواح بكأس الصفاء شراب الوصال ، ويكشف لها جمال الحقّ ؛ حتى يكونوا هنالك جميعا في عموم العطاء.
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : قادر على أن ينشق أرواح السابقين والمتصدين روائح عبهر الأنانية ، ونسيم ورد الوحدانية في مقام الاستقامة ، (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) أي : فاذكروني بلسان الأسرار أذكركم بكشف الأنوار ، واشكروا بخالص العبودية ، ولا تكفروني بإدراك المعرفة ، وأيضا فاذكروني بالإعراض عن الكون أذكركم بارتفاع البون ، واشكر لي ببذل الأشباح ، ولا تكفروني بتعذيب الأرواح ، وأيضا فاذكروني في زمان الغفلة أذكركم بإنزال الرحمة ، واشكروا لي بقصد القربة ، ولا تكفروني بمساوئ البشرية ، وأيضا فاذكروني برؤية ذكري لكم في الأزل قبل ذكركم لي ، أذكر نفسي لكم كما ينبغي لي ؛ لأنكم لا تطيقون أن تذكروني بحقيقة الذات والصفات ، وكيف يذكر الحدث صفات القدم ، والألسنة عن وصف ثنائه خرسة ، والعيون عن إدراك جماله منطمسة ، والأسرار عن البلوغ إلى كنه عظمته فانية ، واشكر لي بتعريف العجز عن أداء الشكر ، ولا تكفروني برؤية ذكركم لي ؛ لأن ذكركم لي واجب خفي كفركم.
وقال الواسطي : حقيقة الذكر الإعراض عن الذكر ونسيانه والقيام بالمذكور.
وقال بعض العراقيين في قوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) قال : سريع الحق يحتمل به الموارد ، وهو ذكره إياك ، ولو لا ذكره إياك ما ذكرته.
وقيل : (فَاذْكُرُونِي) بجهدكم وطاقتكم لأقرن ذكركم بذكري ، فيتحقق لكم الذكر ، يسمّون حقيقة الذكر أن ينسى كل شيء سوى مذكوره ، لاستغراقه فيه فتكون أوقاته كلها ذكرا. وأنشد :
لا لأني أنساك أكثر ذكرا |
|
ك ولكن بذاك يجري لساني |
وقال بعض البغداديين : الذكر عقوبة ؛ لأنّه طرد الغفلة ، وما لم تكن غفلة فما معنى