وقال بعضهم : أهل الصفوة معتكفون بأسرارهم عند الحي لا يؤثر عليهم من جريان الحوادث شيء لاستغراقهم في المشاهدة.
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) أي : فلا تقربوا حدود الحقائق إلا بشرط آدابها بنعت المعرفة ، وحسن حقيقة الأدب ، وأيضا رشح الحق أحكام الربوبية حدود في مقام العبودية ، ليحجز العباد بها عن هتك أستار القربة ؛ لأن في بداية الحدود أسرار العبودية ، وفي نهايتها أسرار الربوبية ، منع الخلق بها عن الاطلاع على أسرار الأزلية لبقاء الأحكام والشرعية (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أظهر سر القدم بوصف الجبروت في النعوت والآيات ، لعل عباده يبصرون بسط سطوات عظمته ، ويخافون من عقوبته ، ويتركون أوصاف البشرية في ديوان الحقيقة.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))
أي : يسألونك طور أطيار بساتين الغيب عن نقصان هلال المشاهدة عند الفترة ، وزيادتها عند الكشوف بنعت تجلّي الأسرار ؛ لأنهم إذا غابوا في أوصاف أحكام العبودية احتجبوا بها عن رؤية مشهود الغيب ، وإذا خرجوا من وطنات أزمة الابتلاء ، رأوا في سماء اليقين نواد أنوار أقمار الصفات ، فتاهوا عند ذهاب عقولهم في مجلس الخاص تحت حضيض سوانح الكبراء ، وطاشوا في لهوب البليات من تراكم سحاب الوجد عند تدريها مزن الشوق ، فتحيروا بين المنزلين ، واستفتوا من أشرف خلق الله حسام حكم الله رئيس البرية محمد صلىاللهعليهوسلم عن مرسوم هذه الأوصاف كي يخلصوا عن أركان الشواهد بعد جمع الجمع في قلوبهم ، فأمر الله تعالى نبيه عليهالسلام وقال : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) أي : لهذه الأحوال المتشتتة في كشوف عز السرمدية وذات الأبدية عيانا وغيبا لمواقيت الأرواح في طيرانها إلى أعلى المقامات على ترتيبها ، وظهور أوقات المواجيد ، وقصورها إلى عالم الصفات ، لشق الله تعالى كشف القربة على قدر شوق الشائقين حتى علموا أحكام العبودية في الربوبية ، والربوبية في العبودية على قدر بدء الأحوال ، وكشف الصفات ؛ لأن العارف محتاج إلى حقيقة علم الأحوال والآداب فيها ليستعملها بقدر وجدان أنوار القربة ، وصفات المشاهدة.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ