(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) أي : إني أجيب دعوة المخلصين إذا دعوني من قعر قلوبهم بلسان أسرارهم ، وإن لم يعلموا إجابتي لهم.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) إذا أدعوهم بأصوات الوصلة عند خطرات كلماتي في قلوبهم إلى مائدة مشاهدتي في زوايا صدورهم بنعت إعراضهم عن غيري.
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي) أي : ليوقنوا فيما كشف لهم من أسرار ملكوتي ، وأنوار جبروتي ، ولا يسمعوا حديث العدد.
(لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) إلى مقام طمأنينة وحقائق التمكين بشرط المعرفة.
قال الشبلي : إذا وجد الحق للعبد لذاذة قربه ارتضاه لنفسه ، وتولى سياسة لنفسه ، وأدّبه بأخلاقه ، وأعطاه ثلاثة من أوصاف ذاته : حياة لا موت فيها ، وقدرة لا يزول بعجز ، وملكا في جوار الملك ، فذلك قوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ).
وقال ابن عطاء في هذه الآية : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) قال : أضاف عباده إليه إضافة خصوصية لا إضافة ملك ، كأنه يريد إذا سألك الخواص من عبادي عني فأخبرهم بأني قريب.
وقال بعضهم : إذا سألك المشتاقون من عبادي عني ، فأخبرهم إني أقرب إليهم من كل قريب ، وأنا عند ظنونهم بي.
وقال رويم : القرب إزالة كل معترض.
وقال الجنيد ، وسئل عن قرب الله من العبد ؛ فقال : هو قريب لا بالاجتماع ، بعيد لا بالافتراق ، وقال : القرب يورث الحياء.
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) بترك مجاهدتها ، وتعليمها أسرار الأدب ، والوقوف على مرادها ، واستماع كلامها على شرط التقبل منها ، والصبر على انطلاقها عن رق العبودية ، واقتحامها في نيران الشهوة.
وقال ابن عطاء : خيانة النفس الوقوف معها حيث ما وقعت.
(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) أي : إذا عكفتم في مساجد القربة لطلب المشاهدة ، فلا تميلوا إلى حظوظ البشرية ، وهذا من أحسن الأدب ، ورد من الله تعالى أدب به أولياءه في مجالستهم حضرته ، وأيضا الاعتكاف وقوف الأرواح على بساط الفردانية لاشتغالها عن الحدوثية بنعت فنائها في أنوار الأزلية.
وقال الواسطي : الاعتكاف حبس النفس ، وذم الجوارح ، ومراعاة الوقت ، ثم أينما كنت ، وأنت معتكف.