(وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أي : اذكروه بلسان عرفان نعمة تعريف نفسه لكم ، كما هداكم إلى معرفته وخصائص قربته ، (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي : إذا بلغتم مقام مشاهدة المذكور بعد احتراقكم بأنوار ذكره ، اشتغلوا بما يشتغل العوام من رسم العبادات ؛ لكي لا تفنوا في بحار الوجد (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من فترتكم عن الأحوال واشتغالكم بالأعمال (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) تقصيركم فيما وجب عليكم حق معرفته (رَحِيمٌ) عليكم بأن يردكم إلى حالاتكم ومقاماتكم.
قال ابن عطاء : إذا عمرتم بواطنكم بذكري ، واستفرغتم الوسع فيه ؛ فارجعوا إلى ما رجع إليه العوام من القيام برسوم العبودية ، واستغفروا عن اشتغالكم بغيره ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للمطيعين تقصيرهم في طاعاتهم (رَحِيمٌ) بالعاصين أن يردهم برحمته إلى بابه.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : الإشارة فيه أن لا تعلم نفسك بما تمتاز عن أشكالك في الظاهر لا بلبسه ولا بخرقة وصبغة ؛ بل يكون كواحد من الناس ، وإذا خطر ببالك أنّك فعلت شيئا أو بك أو لك أو منك شيء فاستغفر الله عزوجل ، وجدد إيمانك فإنّه شرك خفي خامر قلبك.
(فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) أي : فاذكروني ذكر من يعلم في جميع الأحيان أنه ولده أحد ؛ لأنه ذكر لا يسقط عن الإنسان أبدا في حياته ، فهكذا ينبغي ذكر خالق الآباء والأمهات ، وأيضا فاذكروني كذكر الطفل أباه في جميع ما أراد ؛ لأنه يأوي إليه في جميع مراده ، وأنه يعلم أن ليس له ملجأ إلا أبيه ، فأدب الله بهذه الآية شرائط المعبودية بنعت الذكر ، وأيضا وبخ الله عباده بذكرهم غير ربهم ، وهذا المعنى مبهم على أكثر المفهوم.
وقيل : معناه أنك تذكر إحسان أبيك إليك ، فتذكره بذلك أبدء وإحساني إليك أقدم وأكثر ، فاذكرني كما تذكر أباك.
وقال بعضهم : اذكروني بالنعماء يرد عليك زوائد الآلاء.
وقال الواسطي : ذكر عارضي ، ودعاء عادني ، كيف يرجي بركاته أو نماؤه أو زيادته.
سئل أبو يعقوب المكي كيف نذكر الحق كذكر الأب فقال : أعلم أنه إذا ضربك ، فإنه أدبك لحبه لك ، وإذا سلبك فأعلم أنه أعطاك بقربه منك ، وليس يسعك سوء الظن به لشفقته عليك.
وقال ابن عطاء : يوما لأصحابه اذكروا الله بألسنتكم حتى لا تتحرك لغيره ، واذكروه بقلوبكم حتى لا تتفكروا لغيره ، واذكروه بأسراركم حتى تحيى به ، واذكروه بأرواحكم حتى