الكونين والعالمين غيرة على أحوالهم وصونا لأسرارهم ، والعوام ينفقوا زوائد أموالهم حصنا لها وحرصا بها.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي : لعلكم تقطعون بواديهما بأجنحة الأفكار ليخلص قلوبكم عن وجودهما أنوار أفعال الحق وحسن صنعته القديم ، وبه تبصرون فيهما نور صفاته لتبلغوا به مشاهدة حسن جلال ذاته ، وأيضا لعلكم تبصرون بعين التفكر على صورة الدنيا لباس قهره ، خدع أعدائه ليحتجبوا بزهرة الدنيا عن معرفته ، وعلى صورة الآخرة لباس لطفه ابتلاء به أوليائه ، وليختبرهم بلذة الآخرة حتى يظهر صدق دعواهم في محبته عن رعونات بشريتهم.
وقيل : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) في الدنيا والآخرة أي أنهما ، والاشتغال بهما مما يقطعان عن الحق.
وقيل : أنهما على مكر وخديعة.
ألا ترى أن طاوسا لما قرأ : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) [يس : ٥٥] ، فقال لو علموا عمّا نهاهم ما اشتغلوا به.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي : يحب التوابين عن وقوفهم في المقامات ، ويحب المتطهرين بنور المعرفة عن غبار الكائنات ، وأيضا التوابين عن طلبهم إدراك بطنان القدم بالعقول الناقصة والعلوم المحدثة ، والمطهرين عن رؤية مقدارهم عن صدمة قهر الكبرياء وسلطان العظمة.
وقال بعضهم : راجعين إليه في كل خطرة من قلبه ، وكل حركة من جوارحه.
وقيل : يحب التوابين من الزلّة ، ويحب المتطهرين من التوهم.
وقيل : يحب التوابين من الذنوب ، والمتطهرين من العيوب.
وقال ابن عطاء : يحب التوابين من أفعالهم ، والمتطهرين من أحوالهم ، وهم قائمون مع الله بلا علاقة ولا سبب.
قال جعفر : يجب التوابين من [خواطرهم] والمتطهرين من إرادتهم.
وقال محمد بن علي : التوابين من توبتهم ، والمتطهرين من إرادتهم ، وقال أيضا : التوابين من توبتهم ، والمتطهرين من طهارتهم.
وقال أبو يزيد : التوبة من الذنب واحد ، ومن الطاعة ألف.
وقال النصر آبادي : أن الله أثنى عليك ، وجعل لك قيمة حين قال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).