احبسنا بلذة المحبة حتى يقف في بساط الحرمة ، ويشرب مرارة المحنة بجمال المشاهدة ، (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في صدمة القهر ، (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) على الشيطان وجنده ، (فَهَزَمُوهُمْ) يعني جند الله ، (بِإِذْنِ اللهِ) بالله الشيطان وجنده ، (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) يعني العقل الشيطان ، (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) يعني سلطنته وولاية القلب على جميع الجنود النفس وأعوانها ، (وَالْحِكْمَةَ) يعني المعرفة على أحكام المحبة والقربة والمشاهدة والمكاشفة.
قال عبد العزيز : يقال أن داود عليهالسلام رمى بثلاثة أحجار ، وفي الإشارة إنه رمى بالنفس ، وطلق الدنيا ، وخلف الهوى ، فهزم الله جالوت الشيطان وقتل.
(وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) أي : من علوم الغيب حتى صارت منفردة بالرؤية مشاهدة الغيب وعجائبه ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي : دفعه بجنود الملكوتية جنود الإنسانية ، (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يعني منظر نور الإيمان والمعرفة في صدر طلاب المشاهدة والقربة ، (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) يعني يتجلّى العالم الأرواح فيغلبن على النفوس الأمّارة والشياطين المردة ، وأيضا يتجلّى بمشاهدة القهر لعالم النفوس والشياطين حتى يسرفوا بمطامعهم بعض حقائق القلوب من عالم الأرواح ، وتجربوا ديوان الناقل في ديوان الغيب.
قال أبو عثمان : أن هذا مثل ضربه الله للدنيا وأهلها ، يعني النهر أن من أطمأن إليها وأكثر منها فليس من الله في شيء ، ومن أعرض عنها ومقتها فهو الذي هيأه الله لقربة ، إلا من تناول منها مقدار ما يقيم صلبه للطاعة.
وقيل في قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) يعني أي : فاطمأن إليها إلا قليلا منهم ، وهم الذين حفظهم الله من وساوس الشيطان ؛ لأن (عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢].
وقال النصر آبادي : من مد يده إلى الحلال بحرص وشره أداه ذلك إلى الشبه ، ومن لم يبال من الشبه جره ذلك إلى الحرام النص.
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ