إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم. وأمسك الله ختامها في السماء اثنى عشر شهرا. ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة .. (١).
قال القرطبي ما ملخصه : واختلف : هل كان قيام الليل فرضا وحتما ، أو كان ندبا وحضا؟ والدلائل تقوى أن قيامه كان حتما وفرضا ، وذلك أن الندب والحض ، لا يقع على بعض الليل دون بعض ، لأن قيامه ليس مخصوصا به وقت دون وقت.
واختلف ـ أيضا ـ هل كان فرضا على النبي صلىاللهعليهوسلم وحده؟ أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء؟ أو عليه وعلى أمته؟ ثلاثة أقوال ... أصحها ثالثها للحديث المتقدم الذي رواه سعيد بن هشام عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ (٢).
وقال بعض العلماء بعد أن ساق أقوال العلماء في هذه المسألة بشيء من التفصيل : والذي يستخلص من ذلك أن أرجح الأقوال ، هو القول القائل بأن التهجد كان فريضة على النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى أمته ، إذ هو الذي يمكن أن تأتلف عليه النصوص القرآنية ، ويشهد له ما تقدم من الآثار عن ابن عباس وعائشة وغيرهما.
ويرى بعض العلماء أن وجوب التهجد باق على الناس جميعا ، وأنه لم ينسخ ، وإنما الذي نسخ هو وجوب قيام جزء مقدر من الليل ، لا ينقص كثيرا عن النصف ..
ويرد على هذا القول بما ثبت في الصحيحين ، من أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال للرجل الذي سأله عما يجب عليه من صلاة؟ قال : خمس صلوات في اليوم والليلة. قال : هل على غيرها؟ قال : لا إلا أن تطوع».
ويرى فريق آخر : أن قيام الليل نسخ عن الرسول وعن أمته بآخر سورة المزمل. واستبدل به قراءة القرآن ، على ما يعطيه قوله ـ تعالى ـ (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ويدل عليه ـ أيضا ـ ظاهر ما روى عن عائشة ، من قولها : فصار قيام الليل تطوعا من بعد الفريضة ، دون أن تقيد ذلك بقيد.
ويرى فريق ثالث : أن وجوب التهجد استمر على النبي وعلى الأمة ، حتى نسخ بالصلوات الخمس ليلة المعراج.
ويرى فريق رابع : أن قيام الليل نسخ عن الأمة وحدها ، وبقي وجوبه على النبي صلىاللهعليهوسلم على ما يعطيه ظاهر آية الإسراء.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧٨.
(٢) راجع تفسير القرطبي.