أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما أصبح قال : «قد رأيت الذي صنعتم ، ولم يمنعني من الخروج إليكم ، إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم».
قال بعض العلماء : قوله : (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) معطوف على الضمير المستكن في (تَقُومُ).
وهو ـ وإن كان ضمير رفع متصل ـ ، قد سوغ العطف عليه الفصل بينه وبين المعطوف.
والمعنى : أن الله يعلم أنه كان يقوم كذلك جماعة من الذين آمنوا بك ، واتبعوا هداك ..
وقد يقال : إن هذا يدل على أن قيام الليل لم يكن فرضا على جميع الأمة ، وهو خلاف ما تقرر تفسيره في أول السورة ، ويخالف ـ أيضا ـ ما دلت عليه الآثار المتقدمة هناك ..
والجواب : أنه ليس في الآية ما يفيد أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا جميعا يصلون مع النبي صلىاللهعليهوسلم صلاة التهجد في جماعة واحدة ، فلعل بعضهم كان يقيمها في بيته ، فلا ينافي ذلك فرضية القيام على الجميع .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بيان لشمول علمه ـ تعالى ـ ولنفاذ إرادته. أى : والله ـ تعالى ـ وحده ، هو الذي يعلم مقادير ساعات الليل والنهار ، وهو الذي يحدد زمانهما ـ طولا وقصرا ـ على حسب ما تقتضيه مشيئته وحكمته.
والآية الكريمة تفيد الحصر والاختصاص ، عن طريق سياق الكلام ، ودلالة المقام.
وقوله ـ تعالى ـ : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) مؤكد لما قبله ، وإحصاء الأشياء ، عدها والإحاطة بها.
والضمير المنصوب في قوله : (تُحْصُوهُ) يعود على المصدر المفهوم من قوله : (يُقَدِّرُ) في الجملة السابقة.
والتوبة في قوله ـ سبحانه ـ : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) يصح أن تكون بمعنى المغفرة ، وعدم المؤاخذة ، أو بمعنى قبولها منهم ، والتيسير عليهم في الأحكام. وتخفيفها عنهم.
أى : والله ـ تعالى ـ هو الذي يقدر أجزاء الليل والنهار ، وهو الذي يعلم ـ دون غيره ـ أنكم لن تستطيعوا تقدير ساعاته تقديرا دقيقا .. ولذلك خفف الله عنكم في أمر القيام ، ورفع عنكم المقدار المحدد ، وغفر لكم ما فرط منكم من تقصير غير مقصود ، ورخص لكم أن تقوموا المقدار الذي تستطيعون قيامه من الليل ، مصلين ومتهجدين ..
__________________
(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٢٠٠ للشيخ محمد السائس.