ونحوه قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) (١).
أى : إذا الشمس أزيل ضوؤها بعد انتشاره وانبساطه ، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة ، ومستتره بعد أن كانت بارزة.
(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أى : تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور ، إلى الميل نحو الظلام والسواد.
أى : وإذا النجوم تساقطت وانقضت. يقال : انكدر البازي ، إذا نزل على فريسته بسرعة ، وانكدر الأعداء على القوم إذا جاءوا أرسالا متتابعين فانصبوا عليهم.
ويصح أن يكون المعنى : وإذا النجوم تغيرت وانطمس نورها ، وزال لمعانها ، من قولهم : كدرت الماء فانكدر ، إذا خلط به ما يجعله مائلا إلى السواد والغبرة.
(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أى : اقتلعت من أماكنها فسارت في الفضاء بقدرة الله ـ تعالى ـ. قال ـ تعالى ـ (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً). وقال ـ سبحانه ـ : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً).
(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) والعشار : جمع عشراء كنفساء ، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر. وتسمى بهذا الاسم إلى أن تضع لتمام السنة. والنوق العشار كانت من أثمن الأموال عند العرب ، وكانوا يحافظون عليها حتى في أشد حالات الخوف.
ومعنى «عطلت» : أهملت وتركت بدون راع يحميها ، أو يلتفت إليها ، وهذا تصوير بديع لما يصيب الناس من أهوال ، تجعلهم لا يلتفتون إلى أعز أموالهم لديهم.
أى : وإذا النوق العشار ـ التي هي أغلى الأموال ـ عطلت ، أى تركت دون أن يلتفت إليها أحد. لانشغال كل إنسان بنفسه.
وقيل : المراد بالعشار : السحب المحملة بالأمطار. أى : وإذا السحب الحاملة للأمطار قد عطلت عن نزول المطر منها ، وصارت خالية من الماء الذي يحيى الأرض بعد موتها.
قال القرطبي ما ملخصه : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أى : النوق الحوامل التي في بطونها أولادها ، الواحدة عشراء .. وإنما خصت بالذكر ، لأنها أعز ما تكون عند العرب .. وهذا على وجه المثل. لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء ، ولكن أراد به المثل ، أن هول يوم القيامة ، بحال ما لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٧.