للتعليل. أى : يقومون لأجل ربوبيته ـ تعالى ـ وتلقى حكمه الذي لا يستطيعون الفرار منه. وفي هذا الوصف ما فيه من استحضار جلاله ـ وعظمته ـ سبحانه ـ.
قال القرطبي : وفي هذا الإنكار والتعجيب ، وكلمة الظن. ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف ، وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على التسوية والعدل ، في كل أخذ وإعطاء ، بل في كل قول وعمل .. (١).
هذا ، وقد جاء الأمر بإيفاء الكيل والميزان ، والنهى عن تطفيفهما ، في آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ ، وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) (٢).
ومنها قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٤).
قال بعض العلماء ما ملخصه : والتصدي لشأن المطففين بهذا الأسلوب في سورة مكية ، أمر يلفت النظر ، فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقائد.
ومن ثم فالتصدى لهذا الأمر بذاته ، يدل أولا على أن الإسلام ، كان يواجه في البيئة المكية ، حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء .. الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون فهم «يكتالون على الناس» لا من الناس .. فكأن لهم سلطانا على الناس.
ويدل ـ ثانيا ـ على طبيعة هذا الدين ، وشمول منهجه للحياة الواقعية ، وشئونها العملية ، وإقامتها على الأساس الأخلاقى الأصيل في طبيعة هذا المنهج الإلهى القويم .. (٥).
ثم زجر ـ سبحانه ـ هؤلاء الفاسقين عن أمره زجرا شديدا ، وتوعدهم بالعذاب الشديد ، فقال ـ تعالى ـ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ).
وقوله : (كَلَّا) حرف ردع وزجر ، وما بعده كلام مستأنف ، وقد تكرر في الآيات التي
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٢٥٥.
(٢) سورة هود الآية ٨٤.
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٥.
(٤) سورة الأنعام الآية ١٥٢.
(٥) راجع تفسير في ظلال القرآن ج ٣٠ ص ٥٠١.