يلتقيان في قرار مكين. فينشأ منهما الإنسان .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ). بيان لكمال قدرته ـ تعالى ـ وأنه كما أنشأ الإنسان من ماء مهين ، قادر على إعادته إلى الحياة بعد موته. والضمير في قوله : (إِنَّهُ) يعود إلى الله ـ عزوجل ـ لأن الخالق للإنسان من ماء دافق هو الله ـ تعالى ـ.
والضمير في قوله «رجعه» يعود إلى الإنسان المخلوق.
وقوله : (تُبْلَى) من البلاء بمعنى الاختبار والامتحان ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) والمراد بقوله (تُبْلَى) هنا : الكشف والظهور.
و (السَّرائِرُ) جمع سريرة ، وهي ما أسره الإنسان من أقوال وأفعال ، والظرف «يوم» متعلق بقوله : (رَجْعِهِ).
أى : إن الله ـ تعالى ـ الذي قدر على خلق الإنسان من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب .. لقادر ـ أيضا ـ على إعادة خلق هذا الإنسان بعد موته ، وعلى بعثه من قبره للحساب والجزاء ، يوم القيامة ، يوم تكشف المكنونات ، وتبدو ظاهرة للعيان ، وترفع الحجب عما كان يخفيه الإنسان في دنياه من عقائد ونيات وغيرهما.
وفي هذا اليوم لا يكون للإنسان من قوة تحميه من الحساب والجزاء ، ولا يكون له من ناصر ينصره من بأس الله ـ تعالى ـ أو من مدافع يدافع عنه.
ثم أقسم ـ سبحانه ـ مرة أخرى بالسماء على أن القرآن من عنده ـ تعالى ـ فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ. إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ).
والرجع : المطر. وسمى بذلك لأنه يجيء ويرجع ويتكرر ، وقيل : الرجع هنا : الشمس والقمر والنجوم ، يرجعن في السماء حيث تطلع من ناحية ، وتغيب في الأخرى.
وقيل : المراد بالرجع : الملائكة ، لأنهم يرجعون إليها حاملين أعمال العباد.
والصدع : الشق والانفطار ، يقال : تصدع الشيء ، إذا تشقق .. والمراد به هنا : ما تتشقق عنه الأرض من نبات. كما قال ـ تعالى ـ : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ، فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً) ..
__________________
(١) راجع ق ظلال القرآن ج ٣٠ ص ٥٣٥.