أى : وحق السماء صاحبة المطر الذي ينزل من جهتها مرة فأخرى ، لنفع العباد والحيوان والنبات .. وحق الأرض ذات النبات البازغ من شقوقها.
(إِنَّهُ) أى : هذا القرآن (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) أى : لقول فاصل بين الحق والباطل ، والهدى والضلال. والغي والرشاد .. وقد بلغ النهاية في ذلك حتى لكأنه نفس الفصل.
(وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أى : وأن هذا القرآن ، ليس فيه شائبة من شوائب الهزل أو اللعب أو المزاح. بل هو جد كله ، فيجب على كل عاقل ، أن يتبع هداه ، وأن يستجيب لأمره ونهيه.
وفي هذه الآيات الكريمة رد بليغ ، على أولئك المشركين الجاهلين ، الذين وصفوا القرآن ، بأنه نزل على الرسول صلىاللهعليهوسلم ليهزل به ، لأنه يخبرهم بأن الأموات سيعادون إلى الحياة مرة أخرى ، وذلك أمر تستبعده نفوسهم المطموسة.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) مقابلة لطيفة ، حيث وصف ـ سبحانه ـ السماء والأرض بما يناسبهما ، وبما يشير إلى أن البعث حق ، لأنه كما ينزل المطر من السماء فيحيى الأرض بعد موتها. كذلك يحيى الله ـ تعالى ـ بقدرته الأجساد بعد موتها. وعاد الضمير في قوله (إِنَّهُ) إلى القرآن ـ مع أنه لم يسبق له ذكر ـ لأنه معلوم من المقام.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ، بتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وبتبشيره بحسن العاقبة فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْداً. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) وقوله : (رُوَيْداً) تصغير «رود» بزنة عود ـ من قولهم : فلان يمشى على رود ، أى : على مهل ، وأصله من رادت الريح ترود ، إذا تحركت حركة ضعيفة.
والكيد : العمل على إلحاق الضرر بالغير بطريقة خفية ، فهو نوع من المكر.
والمراد به بالنسبة لهؤلاء المشركين : تكذيبهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولما جاء به من عند ربه ، فكيدهم مستعمل في حقيقته.
والمراد به بالنسبة لله ـ تعالى ـ : إمهالهم واستدراجهم ، حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، في الوقت الذي يختاره ويشاؤه.
أى : إن هؤلاء المشركين يحيكون المكايد لإبطال أمرك ـ أيها الرسول الكريم ـ ، وإنى أقابل كيدهم ومكرهم بما يناسبه من استدراج من حيث لا يعلمون ، ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فتمهل ـ أيها الرسول الكريم ـ مع هؤلاء المشركين. ولا تستعجل عقابهم. وانتظر