فليكفر فيحل به العقاب ، لأننا نجازي كل إنسان على حسب عمله ، بعد أن هديناه النجدين ، وأرشدناه إلى سبيل الرشد وسبيل الغي.
وإن لنا وحدنا كل ما في الدنيا ، وكل ما في الآخرة. إذ الخلق والأمر بيدنا ، والعطاء والمنع لا يملكه أحد سوانا ، وهذا الكون كله تحت تصرفنا وقدرتنا.
والفاء في قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) للإفصاح عن مقدر ، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها ، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا ..
وقوله : (تَلَظَّى) أى : تتوقد وتتوهج وتلتهب ، وأصله تتلظى ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من حسن عاقبة من أعطى واتقى ، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى ، ومن أن كل شيء تحت قدرتنا وتصرفنا .. فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة ، وخوفتكم من السقوط في نار عظيمة تلتهب وتتوقد ، وهذه النار (لا يَصْلاها) أى : لا يحترق بها (إِلَّا الْأَشْقَى) أى : من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره.
وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) صفة لهذا الشقي ، لزيادة التشنيع عليه ، والذم له. أى : سيحترق بهذه النار هذا الإنسان الذي بلغ الغاية في الشقاء والتعاسة ، والذي من صفاته أنه كذب بالحق ، وأعرض عن الطاعة. وسار في طريق الكفر والجحود ، حتى أدركه الموت ، وهو على ذلك.
وكعادة القرآن الكريم في المقابلة بين الأشرار والأخيار ، وبين السعداء والأشقياء ، جاء الحديث بعد ذلك عن حال الأتقياء ، فقال ـ تعالى ـ (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أى : وسيبتعد عن هذه النار المتأججة الأتقى ، وهو من بالغ في صيانة نفسه عن كل ما يغضب الله ـ تعالى ـ ، وحرص كل الحرص على فعل ما يرضيه ـ عزوجل ـ.
فالمراد بالأشقى والأتقى : الشديد الشقاء ، والشديد التقوى.
والتعبير بقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا) يشعر بابتعاده عنها ابتعادا تاما ، بحيث تكون النار في جانب ، وهذا الأتقى في جانب آخر ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ).
والفعل «جنب» يتعدى إلى مفعولين ، أولهما هنا هو لفظ الأتقى ، الذي ارتفع على أنه نائب فاعل ، والمفعول الثاني هو الهاء.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذا الإنسان المبالغ في تقواه وطاعته لربه فقال : (الَّذِي يُؤْتِي