مالَهُ يَتَزَكَّى) أى : هذا الإنسان الشديد التقوى من صفاته أنه يقدم ماله لغيره ، وينفقه في وجوه البر والطاعة ، رجاء أن يكون عند ربه زاكيا ناميا ، خاليا من شبهة الرياء والتفاخر ، وأملا في أن يتطهر به من الذنوب.
فقوله (يَتَزَكَّى) في محل نصب على الحال من فاعل (يُؤْتِي) أى : يؤتى ماله حال كونه لا يطلب من وراء ذلك إلا تزكية ماله ، وتطهير نفسه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) بيان لبلوغه أسمى درجات الإخلاص والنقاء.
أى : أن هذا الإنسان الكامل في تقاه لا يفعل ما يفعل من وجوه الخيرات ، من أجل المجازاة لغيره على نعمة سلفت من هذا الغير له ، وإنما يفعل ما يفعل من أجل شيء واحد ، وهو طلب رضا الله ـ تعالى ـ والظفر بثوابه ، والإخلاص لعبادته ـ سبحانه ـ.
قال الآلوسى : وقوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) منصوب على الاستثناء المنقطع من قوله : (مِنْ نِعْمَةٍ) لأن الابتغاء لا يندرج فيها ، فالمعنى : لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه ـ سبحانه ـ وطلب رضاه ، لا لمكافأة لأحد على نعمة.
وجوز أن يكون نصبه على أنه مفعول لأجله ، أى : لا يؤتى ماله لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل طلب رضا ربه ، لا لأجل شيء آخر ، فهو استثناء مفرغ من أعم العلل والأسباب .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) المقصود به الوعد الصادق لهذا التقى ، بما يزيد في سروره ، وفي قرة عينه.
أى : ولسوف نعطى هذا التقى الذي أعطى واتقى وصدق بالحسنى ، من أجل الظفر برضا ربه ـ تعالى ـ لا من أجل شيء آخر .. لسوف نعطيه عطاء يرضيه ويسعده ويشرح صدره.
هذا ، وأكثر المفسرين على أن هذه الآيات الكريمة نزلت في شأن سيدنا أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ.
قال الإمام ابن جرير ما ملخصه : وذكر أن هذه الآيات نزلت في أبى بكر الصديق .. فقد كان يعتق العجائز من النساء إذا أسلمن ، ويشترى الضعفة من العبيد فيعتقهم ، فقال له أبوه : يا بنى ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالا جلداء ـ أى : أشداء ـ يقومون معك ، ويمنعونك ، ويدفعون عنك.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٥٢.