من العمر ، كما قال ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ، ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ، وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى ، وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١).
وقد رجح ابن جرير هذا الرأى فقال : «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر. إلى عمر الخرفى الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر ، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر ، وذهاب العقل ...» (٢).
ومنها : أن المراد بالرد هنا : الرد إلى النار ، والمعنى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه إلى أقبح صورة ، وأخس هيئة ... حيث ألقينا به في أسفل سافلين ، أى : في النار ، بسبب استحبابه العمى على الهدى ، والكفر على الإيمان ...
وقد رجح هذا الرأى ابن كثير فقال : قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) أى : إلى النار ... أى : ثم بعد هذا الحسن والنضارة ، مصيره إلى النار ، إن لم يطع الله ـ تعالى ـ ويتبع الرسل. ولهذا قال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) (٣).
وعلى هذا الرأى ـ أيضا ـ ، يكون المردودون إلى «أسفل سافلين» أى : إلى النار ، هم بعض أفراد جنس الإنسان ، وهم الكفار ، والفاسقون عن أمره ـ تعالى ـ.
ومنها : أن المراد بالرد إلى أسفل سافلين هنا : الانحراف والارتداد عن الفطرة التي فطر الله ـ تعالى ـ الناس عليها ، بأن يعبد الإنسان مخلوقا مثله ، ويترك عبادة خالقه ، ويطيع نفسه وشهواته وهواه ... ويترك طاعة ربه ـ عزوجل ـ.
وقد فصل الأستاذ الإمام هذا المعنى فقال ما ملخصه : «أقسم ـ سبحانه ـ أنه قوم الإنسان أحسن تقويم ، وركبه أحسن تركيب ، وأكد ـ سبحانه ـ ذلك بالقسم ، لأن الناس بسبب غفلتهم عما كرمهم الله به ، صاروا كأنهم ظنوا أنفسهم كسائر أنواع العجماوات ، يفعلون كما تفعل ، لا يمنعهم حياء ولا تردهم حشمة. فانحطت بذلك نفوسهم عن مقامها ، الذي كان لها بمقتضى الفطرة ... فهذا قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) ، أى : صيرناه أسفل من كثير من الحيوانات التي كانت أسفل منه ، لأن الحيوان المفترس ـ مثلا ـ إنما يصدر في عمله عن فطرته التي فطر عليها ، لم ينزل عن مقامه ، ولم ينحط عن منزلته في الوجود.
أما الإنسان فإنه بإهماله عقله ، وجهله بما ينبغي أن يعمله لتوفير سعادته وسعادة إخوانه ،
__________________
(١) سورة غافر ، آية ٦٧.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٣٠ ص ١٥٧.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٧.