مشرف على الضياع ، وكأنهم أرادوا أنّ بعض السيارة إذا التقطه حمله إلى مكان بعيد بحيث يخفى عن أبيه ومن يعرفه ، ولا يحتاجون إلى الحركة بأنفسهم إلى المكان البعيد ، فربما أن والدهم لا يأذن لهم بذلك ، ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) إن كنتم عاملين بما أشرت به عليكم في أمره ، كأنه لم يجزم بالأمر ، بل وكله إلى ما يجمعون عليه كما يفعله المشير مع من استشاره. وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ، فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلما وبغيا ؛ وقيل : كانوا أنبياء ، وكان ذلك منهم زلّة قدم ، وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم. وردّ بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكبيرة المتبالغة في الكبر ، مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب ؛ وقيل : إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء ، بل صاروا أنبياء من بعد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) قال : عبرة. وأخرج أيضا عن قتادة في الآية يقول : من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قصّ الله عليكم وأنبأكم به. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال : إنما قصّ الله على محمد صلىاللهعليهوسلم خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه ، لما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوّته ليأتسي به. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه ، وفي قوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) قال : العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين. وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : العصبة : الجماعة (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) قال : لفي خطأ من رأيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في قوله : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) قال : قاله كبيرهم الذي تخلف ، قال : والجبّ بئر بالشام (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) قال : التقطه ناس من الأعراب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) يعني الركية. وأخرج ابن جرير عن الضحّاك قال : الجبّ البئر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال : هي بئر ببيت المقدس ، يقول : في بعض نواحيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الجبّ حذاء طبرية ، بينه وبينها أميال.
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))