المعصية ؛ لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقّه بحسب استحقاقه ، ولا ينافيه مزيد التفضّل على من هو أهل لذلك ، والمراد بكونه سبحانه خبيرا بصيرا أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرا وباطنا ، لا تخفى عليه منها خافية.
وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوّة ، وابن عساكر عن سعيد المقبري «أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن السواد الذي في القمر ؛ فقال : كانا شمسين ، قال الله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) فالسواد الذي رأيت هو المحو». وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم معنى هذا بأطول منه. قال السيوطي : وإسناده واه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن عليّ في قوله : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) قال : هو السواد الذي في القمر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) قال : منيرة (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) قال : جعل لكم سبحا طويلا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَصَّلْناهُ) قال : بيّناه. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن عن جابر : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «طائر كلّ إنسان في عنقه». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) قال : سعادته وشقاوته ، وما قدّر الله له وعليه ، لازمه أينما كان. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس في قوله : (طائِرَهُ) قال : كتابه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) قال : هو عمله الذي أحصي عليه ، فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشورا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (اقْرَأْ كِتابَكَ) قال : سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا. وأخرج ابن عبد البرّ في «التمهيد» عن عائشة في قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قال : سألت خديجة (١) عن أولاد المشركين فقال : «هم مع آبائهم» ، ثم سألته بعد ذلك فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام ، فنزلت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فقال : «هم على الفطرة ، أو قال ، في الجنة». قال السيوطي : وسنده ضعيف. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إنّا نصيب في البيات من ذراري المشركين ، قال : «هم منهم» (٢) وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين ، ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليه. وأخرج إسحاق بن راهويه وأحمد وابن حبان ، وأبو نعيم في المعرفة ، والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب الاعتقاد ، عن الأسود بن سريع
__________________
(١). يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٢). «البيات» : أن يغار على المشركين بالليل حيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي.
«هم منهم» : أي في الحكم ، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ـ أي بالأرجل ـ ، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم ، جاز قتلهم.