حرّم الله التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد ، والمراد بالحق الذي استثناه هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل ، وذلك كالردّة والزنا من المحصن ، وكالقصاص من القاتل عمدا عدوانا وما يلتحق بذلك ، والاستثناء مفرّغ ، أي : لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبّس بالحق ، أو إلا متلبسين بالحق ، وقد تقدّم الكلام في هذا في الأنعام. ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي : لا بسبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعا (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) أي : لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين ، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين ، والسلطان : التسلط على القاتل إن شاء قتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية. ثم لما بيّن إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول ، أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحدّ فقال : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي : لا يجاوز ما أباحه الله له فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة ، أو يمثّل بالقاتل ، أو يعذّبه. قرأ الجمهور «لا يسرف» بالياء التحتية ، أي : الولي ، وقرأ حمز والكسائي تسرف بالتاء الفوقية ، وهو خطاب للقاتل الأوّل ، ونهي له عن القتل ، أي : فلا تسرف أيها القاتل بالقتل فإن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته. وقال ابن جرير : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وللأئمة من بعده ، أي : لا تقتل يا محمد غير القاتل ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك. وفي قراءة أبيّ «ولا تسرفوا» ثم علّل النهي عن السرف فقال : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) أي : مؤيدا معانا ، يعني الولي ، فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج ، وأوضحه من الأدلة ، وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقّه حتى يستوفيه ، ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى المقتول ، أي : إن الله نصره بوليه ، قيل : وهذه الآية من أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل ؛ لأنها مكية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد ، فقال الله : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) إن تكن النية صادقة (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) للبادرة التي بدرت منه. وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي في الشعب ، عنه في قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) قال : الرجّاعين إلى الخير. وأخرج سعيد بن منصور وهناد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الضحّاك في الآية قال : الرجّاعين من الذنب إلى التوبة ، ومن السيئات إلى الحسنات. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (لِلْأَوَّابِينَ) قال : للمطيعين المحسنين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، عنه قال : للتوابين. وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال : أمره بأحقّ الحقوق ، وعلّمه كيف يصنع إذا كان عنده ، وكيف يصنع إذا لم يكن عنده فقال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقا من الله (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) يقول : إن شاء الله يكون شبه العدة. قال سفيان : والعدة من النبي صلىاللهعليهوسلم دين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال : هو أن تصل ذا القرابة وتطعم المسكين وتحسن إلى ابن السبيل. وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن؟ قال : نعم ، قال : فما قرأت في بني إسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)؟ قال :