وإنكم للقرابة التي أمر الله أن يؤتى حقهم. قال : نعم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية. قال : والقربى قربى بني عبد المطلب.
وأقول : ليس في السياق ما يفيد هذا التخصيص ، ولا دلّ على ذلك دليل ، ومعنى النظم القرآني واضح إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة ، لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقّهم ، وهو الصّلة التي أمر الله بها. وإن كان الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأوّل ، وإن كان خطابا له من دون تعريض ، فأمته أسوته ، فالأمر له صلىاللهعليهوسلم بإيتاء ذي القربى حقه أمر لكل فرد من أفراد أمته ، والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم بدليل ما قبل هذه الآية ، وهي قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وما بعدها ، وهي قوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ـ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).
وفي معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد ، والحاكم وصحّحه ، عن أنس «أن رجلا قال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال : تخرج الزكاة المفروضة ، فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقاربك ، وتعرف حق السائل والجار والمسكين ، فقال : يا رسول الله أقلل لي؟ قال : فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. قال : حسبي يا رسول الله». وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاطمة فأعطاها فدك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أقطع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاطمة فدك. قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه : وهذا الحديث مشكل لو صحّ إسناده ، لأن الآية مكية ، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة ، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ انتهى. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والبخاري في الأدب ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود في قوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) قال : التبذير : إنفاق المال في غير حقه. وأخرج ابن جرير عنه قال : كنا أصحاب محمد نتحدّث أن التبذير النفقة في غير حقه. وأخرج سعيد بن منصور ، والبخاري في الأدب ، وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ) قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عليّ قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك ، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) قال : العدة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم برّ من العراق ، وكان معطاء كريما ، فقسمه بين الناس ، فبلغ ذلك قوما من العرب ، فقالوا : إنا نأتي النبي صلىاللهعليهوسلم نسأله ، فوجدوه قد فرغ منه ، فأنزل الله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) قال : محبوسة (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً) يلومك الناس (مَحْسُوراً) ليس بيدك شيء.