أقول : ولا أدري كيف هذا؟ فالآية مكية ، ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه ، على أن فتح العراق لم يكن إلا بعد موته صلىاللهعليهوسلم! وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو «بعثت امرأة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بابنها فقالت : قل له اكسني ثوبا. فقال : ما عندي شيء ، فقالت : ارجع إليه فقل له اكسني قميصك ، فرجع إليه فنزع قميصه فأعطاها إياه ، فنزلت (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً) الآية». وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي صلىاللهعليهوسلم : «قال لعائشة وضرب بيده : أنفقي ما على ظهر كفي ، قالت : إذن لا يبقى شيء. قال ذلك ثلاث مرات ، فأنزل الله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً) الآية» ويقدح في ذلك أنه صلىاللهعليهوسلم لم يتزوج بعائشة إلا بعد الهجرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً) قال : يعني بذلك البخل. وأخرجا عنه في الآية قال : هذا في النفقة يقول : لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، يعني التبذير (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) ، يلوم نفسه على ما فاته من ماله (مَحْسُوراً) ذهب ماله كله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) قال : ينظر له ، فإن كان الغنى خيرا له أغناه ، وإن كان الفقر خيرا له أفقره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) قال : مخافة الفقر والفاقة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : (خِطْأً) قال : خطيئة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود ، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور. وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبيّ ابن كعب أنه قرأ : «ولا تقربوا الزّنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا من تاب فإنّ الله كان غفورا رحيما» فذكر لعمر فأتاه فسأله ، فقال : أخذتها من في رسول الله ، وليس لك عمل إلا الصفق بالبقيع. وقد ورد في الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحّاك في قوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ) الآية قال : هذا بمكة ونبي الله صلىاللهعليهوسلم بها ، وهو أوّل شيء نزل من القرآن في شأن القتل ، كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال الله : من قتلكم من المشركين ، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبا أو أخا أو واحدا من عشيرته وإن كانوا مشركين ، فلا تقتلوا إلا قاتلكم ، وهذا قبل أن تنزل براءة ، وقبل أن يؤمر بقتال المشركين فذلك قوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) يقول : لا تقتل غير قاتلك ، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم. وأخرج البيهقي في سننه عن زيد بن أسلم : إن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلا لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلا شريفا ، إذا كان قاتلهم غير شريف ، لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره ، فوعظوا في ذلك بقول الله سبحانه : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ) إلى قوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) قال : بينة من الله أنزلها يطلبها وليّ المقتول القود أو العقل ، وذلك السلطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) قال : لا يكثر في القتل. وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضا : لا يقتل إلا قاتل رحمه.