بهم ، و «أن» الأولى في محل نصب بإيقاع المنع عليها ، وأن الثانية في محل رفع ، والباء في الآيات زائدة. والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال ، وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة ؛ وقيل : معنى الآية : إن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم ، فلا يؤمنون البتة كما لم يؤمن أولئك ، فيكون إرسال الآيات ضائعا ، ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته ، فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التي قد بينت في محل آخر ، وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب ، وإنما خصّ قوم صالح بالاستشهاد ؛ لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم ، فقال : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) أي : ذات إبصار يدركها الناس بأبصارهم ، كقوله : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازا ، أو أنها جعلتهم ذوي إبصار ، من أبصره جعله بصيرا. وقرئ على صيغة المفعول. وقرئ بفتح الميم والصاد وانتصابها على الحال. وقرئ برفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف ، والجملة معطوفة على محذوف يقتضيه سياق الكلام ، أي : فكذّبوها ؛ وآتينا ثمود الناقة. ومعنى (فَظَلَمُوا بِها) فظلموا بتكذيبها أو على تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا ، أي : فجحدوا بها أو كفروا بها ظالمين ، ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) اختلف في تفسير الآيات على وجوه : الأوّل : أن المراد بها العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين ؛ الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي ؛ الثالث : تقلّب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب ؛ ليعتبر الإنسان بتقلّب أحواله فيخاف عاقبة أمره ؛ الرابع : آيات القرآن ؛ الخامس : الموت الذريع والمناسب للمقام أن تفسر الآيات المذكورة بالآيات المقترحة ، أي : لا نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفا من نزول العذاب ، فإن لم يخافوا وقع عليهم. والجملة مستأنفة لا محل لها ؛ ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير ظلموا بها ، أي : فظلموا بها ولم يخافوا ، والحال أنّ ما نرسل بالآيات التي هي من جملتها إلا تخويفا. قال ابن قتيبة : وما نرسل بالآيات المقترحة إلا تخويفا من نزول العذاب العاجل. ولما ذكر سبحانه الامتناع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للصارف المذكور قوّى قلبه بوعد النصر والغلبة ، فقال : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) الظرف متعلق بمحذوف ، أي : اذكر إذ قلنا لك ، أي : أنهم في قبضته وتحت قدرته ، فلا سبيل لهم إلى الخروج ممّا يريده بهم لإحاطته لهم بعلمه وقدرته ؛ وقيل : المراد بالناس أهل مكة ، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم ، أي : إن الله سيهلكهم ، وعبّر بالماضي تنبيها على تحقق وقوعه ، وذلك كما وقع يوم بدر ويوم الفتح ؛ وقيل : المراد أنه سبحانه عصمه من الناس أن يقتلوه حتى يبلّغ رسالة ربه (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لما بيّن سبحانه أن إنزال الآيات يتضمّن التخويف ضمّ إليه ذكر آية الإسراء ، وهي المذكورة في صدر السورة وجها آخر في تفسير هذه الرؤيا ، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أسري به ، وقيل : كانت رؤيا نوم ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى أنه يدخل مكة فافتتن المسلمون لذلك ، فلما فتح الله مكة نزل قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ