الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (١) وقد تعقب هذا بأن هذه الآية مكية ، والرؤيا المذكورة كانت بالمدينة ؛ وقيل : إن هذه الرؤيا المذكورة في هذه الآية هي أنه رأى بني مروان ينزون (٢) على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فقيل : إنما هي الدنيا أعطوها فسرّي عنه ، وفيه ضعف ، فإنه لا فتنة للناس في هذه الرؤيا إلا أن يراد بالناس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده ، ويراد بالفتنة ما حصل من المساءة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو يحمل على أنه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا. وقيل : إن الله سبحانه أراه في المنام مصارع قريش ، حتى قال : «والله لكأني أنظر مصارع القوم» وهو يومئ إلى الأرض ويقول : «هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان» ، فلما سمعت قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية. (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) عطف على الرؤيا ، قيل : وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس. قال جمهور المفسرين : وهي شجرة الزقوم ، والمراد بلعنها لعن آكلها كما قال سبحانه : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ـ طَعامُ الْأَثِيمِ) (٣). وقال الزجّاج : إن العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون ، ومعنى الفتنة فيها أن أبا جهل وغيره قالوا : زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ، ثم يقول ينبت فيها الشجر ، فأنزل الله هذه الآية. وروي أن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه : تزقّموا. وقال ابن الزّبعرى : كثر الله من الزقّوم في داركم فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن. وقيل : إن الشجرة الملعونة هي الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتلها ، وهي شجرة الكشوث ، وقيل : هي الشيطان ، وقيل : اليهود ، وقيل : بنو أمية (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) أي : نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا متجاوزا للحد ، متماديا غاية التمادي ، فما يفيدهم إرسال الآيات إلا الزيادة في الكفر ، فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار ، وهو عذاب الاستئصال ، ولكنّا قد قضينا بتأخير العقوبة.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن مسعود في قوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجنّ ، فأسلم النفر من الجنّ ، وتمسّك الإنسيون بعبادتهم ، فأنزل الله (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) كلاهما ، يعني الفعلين بالياء التحتية ، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا. وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير. وروي عنه أيضا من وجه آخر بلفظ : هم عيسى ، وعزير ، والشمس ، والقمر. وأخرج الترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سلوا الله لي الوسيلة ، قالوا : وما الوسيلة؟ قال : القرب من الله ، ثم قرأ : (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)». وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) قال : في اللوح المحفوظ. وأخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، والضياء في المختارة ، عن ابن عباس قال : سأل أهل مكة
__________________
(١). الفتح : ٢٧.
(٢). «ينزون» : يتحرّكون.
(٣). الدخان : ٤٣ و ٤٤.