الخمس التي في الأعراف ، والبحر ، والعصا ، والحجر ، والطمس على أموالهم. وقد تقدم الكلام على هذه الآيات مستوفى ، وسيأتي حديث صفوان بن عسال في تعداد هذه الآيات التسع. (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) قرأ ابن عباس وابن نهيك «فسئل» على الخبر ، أي : سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه ، وقرأ الآخرون (فَسْئَلْ) على الأمر ، أي : سلهم يا محمد حين (جاءَهُمْ) موسى ، والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان ؛ لأن الأدلة إذا تضافرت كان ذلك أقوى ، والمسؤولون مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) الفاء هي الفصيحة ، أي فأظهر موسى عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون. المسحور : الذي سحر فخولط عقله. وقال أبو عبيدة والفراء : هو بمعنى الساحر ، فوضع المفعول موضع الفاعل ، ف (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) يعني الآيات التي أظهرها ، وأنزل بمعنى أوجد (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) أي : دلالات يستدلّ بها على قدرته ووحدانيته ، وانتصاب بصائر على الحال. قرأ الكسائي بضمّ التاء من علمت على أنها لموسى ، وروي ذلك عن عليّ ، وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون. ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك ، وإنما علمه موسى. ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالما بذلك كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١) قال أبو عبيد : المأخوذ به عندنا فتح التاء ، وهو الأصح للمعنى ، لأن موسى لا يقول علمت أنا وهو الداعي ، وروي نحو هذا عن الزجاج (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) الظنّ هنا بمعنى اليقين ، والثبور : الهلاك والخسران. قال الكميت :
ورأت قضاعة في الأيا |
|
من رأي مثبور وثابر |
أي : مخسور وخاسر ، وقيل : المثبور : الملعون ، ومنه قول الشاعر (٢) :
يا قومنا لا تروموا حربنا سفها |
|
إنّ السّفاه وإن البغي مثبور |
أي : ملعون ، وقيل : المثبور : ناقص العقل ، وقيل : هو الممنوع من الخير ، يقال : ما ثبرك عن كذا ؛ ما منعك منه ، حكاه أهل اللغة ، وقيل : المسحور (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : أراد فرعون أن يخرج بني إسرائيل وموسى ويزعجهم من الأرض ، يعني أرض مصر بإبعادهم عنها ، وقيل : أراد أن يقتلهم وعلى هذا يراد بالأرض مطلق الأرض ، وقد تقدم قريبا معنى الاستفزاز (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) فوقع عليه وعليهم الهلاك بالغرق ، ولم يبق منهم أحدا (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) أي : من بعد إغراقه ومن معه ، والمراد بالأرض هنا : أرض مصر التي أراد أن يستفزّهم منها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي : الدار الآخرة وهو القيامة ، أو الكرّة الآخرة ، أو الساعة الآخرة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) قال الجوهري : اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، يقال : جاء القوم بلّفهم ولفيفهم ، أي : بأخلاطهم ، فالمراد هنا
__________________
(١). النمل : ١٤.
(٢). هو : أبان بن تغلب.