قدر مكثهم ، وفي عددهم ، وفيما يفعلونه بعد أن اطلعوا عليهم (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) لئلا يتطرّق الناس إليهم ، وذلك أن الملك وأصحابه لما وقفوا عليهم وهم أحياء أمات الله الفتية ، فقال بعضهم : ابنوا عليهم بنيانا يسترهم عن أعين الناس ، ثم قال سبحانه حاكيا لقول المتنازعين فيهم وفي عددهم ، وفي مدّة لبثهم ، وفي نحو ذلك ممّا يتعلق بهم (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) من هؤلاء المتنازعين فيهم ، قالوا ذلك تفويضا للعلم إلى الله سبحانه ، وقيل : هو من كلام الله سبحانه ، ردّا لقول المتنازعين فيهم ؛ أي : دعوا ما أنتم فيه من التنازع ، فإني أعلم بهم منكم ؛ وقيل : إن الظرف في (إِذْ يَتَنازَعُونَ) متعلّق بمحذوف هو اذكر ، ويؤيده أن الإعثار ليس في زمن التنازع بل قبله ، ويمكن أن يقال : إن أولئك القوم ما زالوا متنازعين فيما بينهم قرنا بعد قرن ، منذ أووا إلى الكهف إلى وقت الإعثار ، ويؤيد ذلك أن خبرهم كان مكتوبا على باب الغار ، كتبه بعض المعاصرون لهم من المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم كما قاله المفسرون : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون ، وقيل : هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم ، والأوّل أولى. قال الزجاج : هذا يدلّ على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور ؛ لأن المساجد للمؤمنين (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) هؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة ، هم المتنازعون في عددهم في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أهل الكتاب والمسلمين ، وقيل : هم أهل الكتاب خاصة ، وعلى كلّ تقدير فليس المراد أنهم جميعا قالوا جميع ذلك ، بل قال بعضهم بكذا ، وبعضهم بكذا ، وبعضهم بكذا (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) أي : هم ثلاثة أشخاص ، وجملة رابعهم كلبهم في محل نصب على الحال ، أي : حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) الكلام فيه كالكلام فيما قبله ، وانتصاب (رَجْماً بِالْغَيْبِ) على الحال ، أي : راجمين أو على المصدر ، أي : يرجمون رجما ، والرجم بالغيب : هو القول بالظن والحدس من غير يقين ، والموصوفون بالرجم بالغيب هم كلا الفريقين القائلين بأنهم ثلاثة ، والقائلين بأنهم خمسة (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) كأن قول هذه الفرقة أقرب إلى الصواب بدلالة عدم إدخالهم في سلك الراجمين بالغيب. قيل : وإظهار الواو في هذه الجملة يدلّ على أنها مرادة في الجملتين الأوليين. قال أبو عليّ الفارسي قوله : رابعهم كلبهم ، وسادسهم كلبهم ، جملتان استغنى عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى وهي قوله ثلاثة ، والتقدير : هم ثلاثة ، هكذا حكاه الواحدي عن أبي عليّ ، ثم قال : وهذا معنى قول الزجاج في دخول الواو في وثامنهم وإخراجها من الأوّل ، وقيل : هي مزيدة للتوكيد ، وقيل : إنها واو الثمانية ، وإن ذكره متداول على ألسن العرب إذا وصلوا إلى الثمانية كما في قوله تعالى : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وقوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً). ثم أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يخبر المختلفين في عددهم بما يقطع التنازع بينهم فقال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) منكم أيها المختلفون ، ثم أثبت علم ذلك لقليل من الناس فقال : (ما يَعْلَمُهُمْ) أي : يعلم ذواتهم فضلا عن عددهم ، أو ما يعلم عددهم على حذف المضاف (إِلَّا قَلِيلٌ) من الناس ، ثم نهى الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم عن الجدال مع أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف فقال : (فَلا تُمارِ