صيغة أفعل هنا للتحقير ، وانظر قولهم (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ) فإنه يقتضي إظهار القوة منهم ، وقولهم : (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) يقتضي الاستبداد والضعف ؛ فيحتمل أن يكون حالهم تغيرت أو أن وقت المبادرة محل إظهار القوة.
قوله تعالى : (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ).
إن قلت : المناسب الفاء ؛ لأن الاسترهاب سبب عن سحر أعين الناس ، قلت : إنما يفتقر إلى الفاء فيها سببية غير ظاهرة.
قال ابن عرفة : وفي قولهم : (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) أي : ما يتركهم موسى يبتدئ بالإلقاء ، وإما فهم ذلك عنهم موسى ، قال لهم ألقوا ، قال : وانظر هل القضية مانعة الجمع أو مانعة الخلو ، والظاهر أنها مانعة الخلو فلا يخلو المخلي على أن يلقي هو قبلهم أو يلقون هم قبله ، ويحتمل أن يقع منهم الإلقاء جميعا في زمن واحد.
قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
يحتمل أن يكون من الموحي وإخبار عن حال العصا.
قوله تعالى : (ما يَأْفِكُونَ).
أي ما أفكوا ، كقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [سورة الحج : ٦٣] للتصوير ، أو على بابه إن جعلنا فإذا هي من تمام الموحي ، قوله تعالى : في الآية الأخرى (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) [سورة طه : ٦٩].
قوله تعالى : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ).
هذا يدل على أن الإضافة فيعتبر فيها حال المضاف إليه ، وإلا لما تخلصوا من الدعوى ؛ لأن فرعون قد يقول : أنا رب موسى وهارون ؛ فالمعنى ذلك الرب الذي يدعيه موسى وهارون ربا.
قوله تعالى : (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ).
قيل : إنه لم يقع إذن منه لهم قبل ولا بعد ، فهذا يدل على أن مثل قولك : كان كذا قبل كذا لا يقتضي وقوع الثاني ، ولذلك كان ابن عبد السّلام ينتقد على الطاعنين في قوله : ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل ، فإن أخره بعد ذلك أجزأه ؛ وهذا يقتضي أنه لا يتوضأ قبل الغسل إذ لا فائدة في الوضوء بعد الغسل ، ونظيره قوله تعالى : (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) [سورة الكهف : ١١٠].